الاستثناء من النفي إثبات ومن الإثبات نفي ، ومثّل له بقوله : اقتلوا المشركين إلاّ أهل الذمة ، وقولهم لا تضرب أحداً إلاّ زيداً ، فان الاستثناء في الأول يدل على حرمة قتل الذمي كما يدل على وجوب ضرب زيد في الثاني (١).

وفيما أجاب به منع ظاهر ، فان الاستثناء من التحريم لا يثبت إلاّ ارتفاعه وأمّا ثبوت غيره من الوجوب والإباحة ونحوهما فلا ، ولا دلالة في كلام نجم الأئمة إلاّ على أن الاستثناء من الإثبات نفي وبالعكس ، ونحن نعترف بذلك ونقول إن الحرمة منتفية في صورة وجود الجنب في الحمام وأمّا ثبوت الوجوب فلا لأنه أعم منه ، اللهم إلاّ أن تقوم قرينة خارجية على ثبوته كما هو الحال في المثال المتقدم ، فان قتل النفس المحترمة محرّم فإذا لم يكن واجباً فهو باق على حرمته. وبالجملة استفادة الحرمة في المثال إنما هي بالقرينة الخارجية ، لا لأجل أن الاستثناء من الوجوب يدل على التحريم.

والصحيح أن الرواية في نفسها لا تدل على عدم جواز استعمال الماء المستعمل في رفع الحدث به ثانياً ، والوجه في ذلك : أنه عليه‌السلام بعد ما فرض أن الرجل دخل الحمام ورتب عليه وجوب الائتزار لحرمة كشف العورة ، نهى عن الاغتسال من ماء آخر فعلم منه أنه كان في الحمام ماءان فلا بدّ من تعيين الماء الآخر الذي نهى عن الاغتسال فيه فنقول :

المياه الموجودة في الحمامات على ثلاثة أقسام :

أحدها : ماء الخزانة.

وثانيها : ماء الأحواض الصغيرة المتصل بالخزانة التي هي المادّة الجعلية له.

وثالثها : ما يجتمع من الغسالات في مكان منخفض أو في بئر معدة للغسالة في نفس الحمامات.

والماء الآخر الذي نهى عن الاغتسال فيه لا يمكن أن يكون ماء الخزانة ، وذلك لوجهين :

__________________

(١) الحدائق ١ : ٤٤٣.

۴۸۵۱