لا يقال : كيف! وإيجاب الاحتياط فيما لا يعلم وإيجاب التحفّظ في الخطأ والنسيان يكون أثرا لهذه العناوين (١) بعينها وباقتضاء نفسها (٢).
__________________
ـ بقيد العمد ـ مثلا ـ ينتفي ذلك الموضوع بانتفاء قيده ، وينتفي الحكم أيضا بانتفاء موضوعه قهرا ، فمع الخطأ وعدم العمد يرتفع الحكم بنفسه ، ولا حاجة في ارتفاعه إلى التمسّك بحديث الرفع.
وأمّا الأحكام الثابتة للموضوعات بوصف النسيان أو الخطأ أو الاضطرار أو الإكراه : فلا يتكفّلها حديث الرفع ، لأنّ الظاهر من حديث الرفع أنّ هذه العناوين الثانويّة موجبة لرفع الحكم عن الموضوع ، وهو ـ أي رفع الحكم ـ يتفرّع على ثبوت الحكم المرفوع للموضوع قبل طروء هذه العناوين كي يكون طروّها له موجبا لرفعه.
وأمّا الحكم الثابت له بالعناوين الثانويّة ـ بمعنى أنّ هذه العناوين موجبة لثبوته للموضوع ـ : فلا يعقل ارتفاعه بحديث الرفع ، لاستلزامه أن يكون العنوان الواحد ـ كعنوان «المضطرّ إليه» ـ مقتضيا لعدم الحكم ومقتضيا لثبوته في آن واحد ، وهو من اجتماع المتنافيين. فليس حديث الرفع ظاهرا في رفع الحكم الثابت للموضوع بالعنوان الثانويّ ، بل هو ظاهر في رفع الحكم الثابت له بعنوانه الأوّليّ لأجل طروء هذه العناوين الثانويّة.
وهذا المطلب ذكره المحقّقان النائينيّ والعراقيّ بالبيان المذكور ملخّصا. فوائد الاصول ٣ : ٣٤٨ ، نهاية الأفكار ٣ : ٢١٣.
وأوضحه المحقّق الاصفهانيّ ببيان آخر. وهو : أنّ حديث الرفع ورد مورد الامتنان ، وهذا يقتضي أن تكون الجهات الموجبة للامتنان ـ برفع الأحكام والآثار ـ نفس هذه العناوين المأخوذة في الخبر من الجهل والنسيان والاضطرار وغيرها ، فإذا كانت هذه العناوين مقتضية لرفع تلك الأحكام فلا محالة ليست بما هي مقتضية لثبوتها ، إذ لا يعقل أن يكون العنوان الواحد مقتضيا لطرفي النقيض. نهاية الدراية ٢ : ٤٤٢.
(١) أي : العناوين الثانويّة من الجهل والخطأ والنسيان.
(٢) توضيح الإشكال : أنّه لا شكّ أنّ إيجاب الاحتياط ليس من آثار الموضوع بعنوانه الأوّليّ ، بل هو من آثاره بعنوانه الثانويّ ـ أي كون الموضوع مجهول الحكم ـ ؛ وكذا إيجاب التحفّظ ليس من آثار الموضوع بعنوانه الأوّلي ، بل هو من آثار الخطأ والنسيان. وما ذكرتم من أنّ حديث الرفع إنّما يرفع آثار الموضوع بعنوانه الأوّلى ، لا آثاره بعنوانه الثانويّ ، يقتضي أن لا يرفع إيجاب الاحتياط وإيجاب التحفّظ ، إذ هما ليسا من آثار الموضوع بعنوانه الأوّلى ، بل هما من آثاره بعنوانه الثانويّ ـ أي الجهل والخطأ والنسيان ـ ، مع أنّ حديث الرفع يرفع إيجاب الاحتياط والتحفّظ ، كما لا يخفى. ـ