الكلام في بيان سائر الأقوال والنقض والإبرام فيما ذكر لها من الاستدلال.
[حول الأحكام الوضعيّة والتفصيل بين أقسامها في حجّيّة الاستصحاب]
ولا بأس بصرفه إلى تحقيق حال الوضع وأنّه حكم مستقلّ بالجعل كالتكليف ، أو منتزع عنه وتابع له في الجعل ، أو فيه تفصيل؟ حتّى يظهر حال ما ذكر هاهنا بين التكليف والوضع من التفصيل ، فنقول ـ وبالله الاستعانة ـ :
لا خلاف ـ كما لا إشكال ـ في اختلاف التكليف والوضع مفهوما (١) ، واختلافهما في الجملة موردا (٢) ، لبداهة ما بين مفهوم السببيّة أو الشرطيّة ومفهوم مثل الإيجاب أو الاستحباب من المخالفة والمباينة.
كما لا ينبغي النزاع في صحّة تقسيم الحكم الشرعيّ إلى التكليفيّ والوضعيّ ، بداهة أنّ الحكم وإن لم يصحّ تقسيمه إليهما ببعض معانيه ولم يكد يصحّ إطلاقه على الوضع ، إلّا أنّ صحّة تقسيمه بالبعض الآخر إليهما وصحّة إطلاقه عليه بهذا المعنى ممّا لا يكاد ينكر كما لا يخفى (٣). ويشهد به كثرة إطلاق الحكم عليه في
__________________
(١) قال المحقّق النائينيّ ـ على ما في تقريرات بحثه ـ : «المراد من الأحكام التكليفيّة هي المجعولات الشرعيّة الّتي تتعلّق بأفعال العباد أوّلا وبالذات بلا واسطة ، وهي تنحصر بالخمسة ، أربعة منها تقتضي البعث والزجر ، وهي الوجوب والحرمة والاستحباب والكراهة ، وواحدة منها تقتضي التخيير ، وهي الإباحة.
وأمّا الأحكام الوضعيّة : فهي المجعولات الشرعيّة الّتي لا تتضمّن البعث والزجر ، ولا تتعلّق بالأفعال ابتداء أوّلا وبالذات ، وإن كان لها نحو تعلّق بها ولو باعتبار ما يستتبعها من الأحكام التكليفيّة ، سواء تعلّق الجعل الشرعيّ بها ابتداء ـ تأسيسا أو إمضاء ـ أو تعلّق الجعل الشرعيّ بمنشإ انتزاعها». فوائد الاصول ٤ : ٣٨٤.
(٢) كما أنّ في قولنا : «الإفطار سبب لوجوب القضاء» يكون الإفطار مورد السببيّة ، والقضاء مورد الوجوب.
(٣) والحاصل : أنّ في تفسير الحكم الشرعيّ وجهين :
الأوّل : أنّ الحكم الشرعيّ عبارة عن الخطاب المتعلّق بأفعال العباد الصادر من الشارع ـ