قلت : استقلاله بذلك ممنوع ، والسند شهادة الوجدان ومراجعة ديدن العقلاء من أهل الملل والأديان ، حيث إنّهم لا يحترزون ممّا لا تؤمن مفسدته ولا يعاملون معه معاملة ما علم مفسدته ، كيف! وقد أذن الشارع بالإقدام عليه (١) ، ولا يكاد يأذن بارتكاب القبيح ، فتأمّل.
[أدلّة المحدّثين على وجوب الاحتياط]
واحتجّ للقول بوجوب الاحتياط فيما لم تقم فيه حجّة بالأدلّة الثلاثة :
[الدليل الأوّل ، والجواب عنه]
أمّا «الكتاب» : فبالآيات الناهية عن القول بغير العلم (٢) وعن الإلقاء في التهلكة(٣) والآمرة بالتقوى (٤).
والجواب : أنّ القول بالإباحة شرعا وبالأمن من العقوبة عقلا ليس قولا بغير
__________________
ـ وحاصل الإشكال : أنّ احتمال التكليف الإلزاميّ وإن لم يكن ملازما لاحتمال المنفعة أو المضرّة ، فلا يلازمان احتمال العقاب الاخرويّ ، إلّا أنّ العقل يحكم بقبح الإقدام على ما لا تؤمن مفسدته ، كما يحكم بقبحه على ما علم مفسدته. ومعلوم أنّ محتمل الحرمة ممّا لا تؤمن مفسدته ، فيجب الاجتناب عنه بمقتضى حكم العقل بقبح الإقدام على ما لا تؤمن مفسدته.
وبالجملة : تكون قاعدة قبح الإقدام على ما لا تؤمن مفسدته رافعا لموضوع قبح العقاب بلا بيان ، لأنّها صالحة للبيانيّة.
(١) كما قال عليهالسلام : «كلّ شيء فيه حلال وحرام فهو لك حلال أبدا حتّى تعرف الحرام منه بعينه فتدعه». وسائل الشيعة ١٢ : ٥٩ ، الباب ٤ من أبواب ما يكتسب به ، الحديث ١.
(٢) كقوله تعالى : ﴿وَلا تَقْفُ ما لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ﴾ الإسراء / ٣٦ ، وقوله تعالى : ﴿وَأَنْ تَقُولُوا عَلَى اللهِ ما لا تَعْلَمُونَ﴾ الأعراف / ٣٣.
(٣) كقوله تعالى : ﴿وَلا تُلْقُوا بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ﴾ البقرة / ١٩٥.
(٤) كقوله تعالى : ﴿اتَّقُوا اللهَ حَقَّ تُقاتِهِ﴾ آل عمران / ١٠٢ ، وقوله تعالى : ﴿وَجاهِدُوا فِي اللهِ حَقَّ جِهادِهِ﴾ الحجّ / ٧٨ ، وقوله تعالى : ﴿فَاتَّقُوا اللهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ﴾ التغابن / ١٦. وتعرّض للاستدلال بها المحقّق البحرانيّ في الحدائق الناضرة ١١ : ٢٩.