في لزوم رعاية الاحتياط في الباقي مع الفقدان ، كذلك لا ينبغي الإشكال في لزوم رعايته مع الاضطرار ، فيجب الاجتناب عن الباقي أو ارتكابه خروجا عن عهدة ما تنجّز عليه قبل عروضه.
فإنّه يقال : حيث إنّ فقد المكلّف به ليس من حدود التكليف به وقيوده ، كان التكليف المتعلّق به مطلقا ، فإذا اشتغلت الذمّة به كان قضيّة (١) الاشتغال به يقينا الفراغ عنه كذلك ، وهذا بخلاف الاضطرار إلى تركه (٢) ، فإنّه من حدود التكليف به وقيوده ، ولا يكون الاشتغال به من الأوّل إلّا مقيّدا بعدم عروضه (٣) ، فلا يقين باشتغال الذمّة بالتكليف به إلّا إلى هذا الحدّ ، فلا يجب رعايته فيما بعده ، ولا يكون إلّا من باب الاحتياط في الشبهة البدويّة ، فافهم وتأمّل ، فإنّه دقيق جدّا (٤).
الثاني : [شرطيّة الابتلاء بتمام الأطراف في تنجيز العلم الإجماليّ] (٥)
أنّه لمّا كان النهي عن الشيء (٦) إنّما هو لأجل أن يصير داعيا للمكلّف نحو
__________________
(١) هكذا في النسخ. والأولى أن يقول : «كانت قضيّة ...».
(٢) أو إلى ارتكابه.
(٣) أي : عدم طروء الاضطرار.
(٤) وأورد السيّد الإمام الخمينيّ على ما أفاده في كلّ من المتن والهامش. فراجع أنوار الهداية ٢ : ٢١٢ ـ ٢١٣.
(٥) لا يخفى : أنّه لا ريب في اعتبار القدرة العقليّة على جميع أطراف العلم الإجماليّ في منجّزيّته واستحقاق العقوبة على مخالفته. وانّما الكلام في أنّه هل يعتبر في توجّه الخطاب إلى المكلّف وتنجّزه إمكان الابتلاء عادة بجميع الأطراف أم لا يعتبر؟
ذهب بعضهم إلى اعتباره في خصوص النهي والشبهات التحريميّة دون الأمر والشبهات الوجوبيّة ، كالشيخ الأعظم والمحقّق النائينيّ. فراجع فرائد الاصول ٢ : ٢٣٣ ، فوائد الاصول ٤ : ٥١.
وذهب بعض آخر ـ كالمصنّف قدسسره في المقام والمحقّق العراقيّ ـ إلى اعتباره في النهي والأمر. راجع ما يأتي في حاشية الكتاب ، ونهاية الأفكار ٣ : ٣٣٨.
وذهب بعض آخر ـ كالمحقّق الاصفهانيّ والسيّدين العلمين : الخوئيّ والخمينيّ ـ إلى عدم اعتباره أصلا. راجع نهاية الدراية ٢ : ٦٠١ ، مصباح الاصول ٢ : ٣٩٥ ، أنوار الهداية ٢ : ٢١٤ ـ ٢١٩.
(٦) كما أنّه إذا كان فعل الشيء الّذي كان متعلّقا لغرض المولى ممّا لا يكاد عادة أن يتركه ـ