رأسا. وكونها في مقطوعي الصدور متمحّضة في ترجيح الجهة لا يوجب كونها كذلك في غيرهما ، ضرورة أنّه لا معنى للتعبّد بسند ما يتعيّن حمله على التقيّة ، فكيف يقاس على ما لا تعبّد فيه للقطع بصدوره؟!
[عدم مراعاة الترتيب بين المرجّحات]
ثمّ إنّه لا وجه لمراعاة الترتيب بين المرجّحات لو قيل بالتعدّي وإناطة الترجيح بالظنّ (١) أو بالأقربيّة إلى الواقع (٢) ، ضرورة أنّ قضيّة ذلك تقديم الخبر الّذي ظنّ صدقه أو كان أقرب إلى الواقع منهما ، والتخيير (٣) بينهما إذا تساويا ، فلا وجه لإتعاب النفس في بيان أنّ أيّها (٤) يقدّم أو يؤخّر إلّا تعيين أنّ أيّها يكون فيه المناط في صورة مزاحمة بعضها مع الآخر.
وأمّا لو قيل بالاقتصار على المزايا المنصوصة فله (٥) وجه ، لما يتراءى من ذكرها مرتّبا في المقبولة (٦) والمرفوعة (٧).
مع إمكان (٨) أن يقال : إنّ الظاهر كونهما ـ كسائر أخبار الترجيح ـ بصدد بيان أنّ هذا مرجّح وذاك مرجّح ، ولذا اقتصر في غير واحد منها على ذكر مرجّح واحد ، وإلّا لزم تقييد جميعها ـ على كثرتها ـ بما في المقبولة ، وهو بعيد جدّا. وعليه فمتى وجد في أحدهما مرجّح وفي الآخر آخر منها كان المرجع هو إطلاقات التخيير ، ولا كذلك على الأوّل (٩) ، بل لا بدّ من ملاحظة الترتيب ، إلّا إذا كانا في عرض واحد.
__________________
(١) والقائل به هو المحقّق الرشتيّ في بدائع الأفكار : ٤٣٤.
(٢) والقائل به هو الشيخ الأعظم الأنصاريّ. راجع فرائد الاصول ٤ : ٧٥.
(٣) معطوف على قوله : «تقديم».
(٤) أي : المرجّحات.
(٥) أي : مراعاة الترتيب.
(٦) الكافي ١ : ٦٧.
(٧) عوالي اللآلي ٤ : ١٣٣.
(٨) غرضه المناقشة في جعل ذكرها مرتّبا فيهما دليلا على اعتبار الترتيب.
(٩) ولا يرجع إلى إطلاقات باب التخيير بناء على كون المقبولة والمرفوعة بصدد بيان لزوم مراعاة الترتيب بين المرجّحات ، بل يلاحظ الترتيب ويقدّم الخبر الّذي يكون مرجّحه مقدّما على مرجّح الخبر الآخر رتبة.