فإنّه يقال : بل إنّما يكون باقتضاء الواقع في موردها ، ضرورة أنّ الاهتمام به يوجب إيجابهما ، لئلّا يفوت على المكلّف ، كما لا يخفى (١).
__________________
ـ وبتعبير آخر : أنّ لكم دعويين متناقضين :
الاولى : أنّ حديث الرفع إنّما يدلّ على رفع آثار الموضوع بعنوانه الأوّليّ. وهذا يقتضي عدم دلالته على رفع إيجاب الاحتياط في الموضوع المجهول حكمه الواقعيّ ، لأنّ إيجاب الاحتياط من آثار الموضوع بعنوانه الثانويّ ـ وهو كونه مجهول الحكم ـ.
الثانية : أنّ حديث الرفع يدلّ على رفع التكليف الواقعيّ في ظرف الجهل ظاهرا ، ولمّا كان ثبوت التكليف الواقعيّ في ظرف الجهل مقتضيا لإيجاب الاحتياط فيقتضي رفعه في ظرف الجهل ارتفاع إيجاب الاحتياط. وعليه فالدليل على رفع التكليف الواقعيّ دليل على رفع إيجاب الاحتياط. فإذا حديث الرفع يدلّ على رفع إيجاب الاحتياط الّذي كان ثابتا للموضوع بعنوانه الثانويّ. وكذا الكلام في إيجاب التحفّظ.
ومعلوم أنّ الدعوى الثانية تنافي الدعوى الاولى.
وبالجملة : أنّ الدعوى الثانية دليل واضح على عدم صحّة الدعوى الاولى ، فلا يخصّ حديث الرفع برفع آثار الموضوع بعنوانه الأوّلى ، بل يرفع آثاره بعنوانه الثانويّ أيضا.
(١) توضيحه : أنّ إيجاب الاحتياط ليس من آثار الجهل بالتكليف كي يقال : «أنّه من آثار الموضوع بعنوانه الثانويّ» ، بل هو من آثار ثبوت التكليف الواقعيّ الناشئ عن ثبوت المصلحة في متعلّقه ، فإنّ اهتمام الشارع به وعدم رضائه بتركه حتّى في ظرف الجهل به يوجب إيجاب الاحتياط لئلّا تفوت المصلحة على المكلّف. فإذا دلّ دليل على رفع التكليف الواقعيّ في ظرف الجهل ظاهرا ، دلّ على عدم اهتمام الشارع به في ظرف الجهل ورضائه بتركه في الحال ، فيدلّ على رفع إيجاب الاحتياط الّذي يقتضيه ثبوت التكليف في عالم الواقع وعدم رضاء الشارع بتركه حتّى في حال الجهل. وكذا الحال في إيجاب التحفّظ.
وعليه يرجع الضمير في قوله : «في موردها» إلى الجهل والخطأ والنسيان. وفي قوله : «يوجب إيجابهما» إلى الاحتياط والتحفّظ.
تتمّة :
لا يخفى : أنّ في المقام مباحث أخر حول دلالة حديث الرفع ، لم يتعرّض لها المصنّف رحمهالله هنا. فنشير إليها إجمالا.
منها : أنّ حديث الرفع هل يشمل الامور العدميّة أم يشمل الوجوديّات فقط؟ مثلا : لو نذر شخص أن يشرب من ماء دجلة فاكره على الترك أو اضطرّ إليه أو نسى أن يشرب ـ وقلنا بعدم اختصاص الكفّارة بصورة تعمّد الحنث ـ هل يمكن التمسّك بحديث الرفع وإثبات ـ