[القول بانقلاب النسبة ، وما فيه]
ولذا وقع بعض الأعلام (١) في اشتباه وخطأ ، حيث توهّم أنّه إذا كان هناك عامّ وخصوصات ، وقد خصّص ببعضها ، كان اللازم ملاحظة النسبة بينه وبين سائر الخصوصات بعد تخصيصه به ، فربّما تنقلب النسبة إلى عموم وخصوص من وجه ، فلا بدّ من رعاية هذه النسبة وتقديم الراجح منه ومنها (٢) ، أو التخيير بينه وبينها (٣) لو لم يكن هناك راجح ، لا تقديمها عليه ، إلّا إذا كانت النسبة بعده على حالها (٤).
وفيه : أنّ النسبة إنّما هي بملاحظة الظهورات ، وتخصيص العامّ بمخصّص منفصل ـ ولو كان قطعيّا ـ لا ينثلم به ظهوره ، وإن انثلم به حجّيّته ، ولذلك يكون بعد التخصيص حجّة في الباقي ، لأصالة عمومه بالنسبة إليه (٥).
__________________
ـ وذهب بعض الأعلام إلى تفاصيل أخر ، تركناها خوفا من التطويل ، وإن شئت فراجع أجود التقريرات ٢ : ٥١٨ ـ ٥٢٠ ، فوائد الاصول ٤ : ٧٤٠ ـ ٧٤٨ ، مصباح الاصول ٣ : ٣٨٦ ـ ٣٩٦ ، الرسائل (للإمام الخمينيّ) ٢ : ٣٢ ـ ٣٦.
(١) وهو المحقّق المولى أحمد النراقيّ في عوائد الأيّام : ٣٤٩ ـ ٣٥٣ ، ومناهج الأحكام : ٣١٧.
(٢) أي : من العامّ المخصّص ومن سائر الخصوصات.
(٣) أي : بين العامّ المخصّص وبين سائر الخصوصات.
(٤) والحاصل : أنّ المحقّق النراقيّ ذهب إلى لزوم ملاحظة النسبة المنقلبة الحادثة ، إلّا إذا كانت النسبة السابقة باقية على حالها بعد عمليّة العلاج وتخصيص العامّ بالخصوصات.
(٥) حاصل الجواب : أنّ النسبة بين المتعارضين أو المتعارضات إنّما هي بملاحظة ظهوريهما أو ظهوراتهما ، والمخصّص المنفصل لا يصادم أصل ظهور العامّ في العموم ، وإنّما يصادم حجّيّته بالنسبة إلى مورد الخاصّ ، فلا يرتفع ظهور العامّ في العموم بالمخصّص المنفصل ، بل يبقى على ظهوره ويخصّص بكلّ من الخصوصات من دون انقلاب ؛ فإذا قال : «أكرم العلماء» ، ثمّ قال : «لا تكرم فسّاقهم» ، ثمّ قال : «ولا تكرم النحويّين» فظهور العامّ في العموم محفوظ على حاله ولا ينثلم بقوله : «لا تكرم فسّاقهم» ، وإن انثلم به حجّيّته بالنسبة إلى فسّاقهم ؛ وإذا كان ظهوره محفوظا على حاله ـ ولو بعد تخصيصه بذلك المخصّص ـ فتبقى النسبة بينه وبين قوله : «ولا تكرم النحويّين» على ما كانت سابقا ، وهي العموم المطلق ، فيخصّص به ثانيا ، ويحكم بوجوب إكرام العالم العادل غير النحويّ. ـ