بذي المزيّة ولا أقربيّته ـ كبعض صفات الراوي ، مثل الأورعيّة أو الأفقهيّة إذا كان موجبهما ممّا لا يوجب الظنّ أو الأقربيّة ، كالتورّع من الشبهات والجهد في العبادات وكثرة التّتبع في المسائل الفقهيّة أو المهارة في القواعد الاصوليّة ـ فلا وجه للاقتصار على التعدّي إلى خصوص ما يوجب الظنّ (١) أو الأقربيّة (٢) ، بل إلى كلّ مزيّة ولو لم تكن بموجبة لأحدهما ، كما لا يخفى.
[وهم ودفع]
وتوهّم : «أنّ ما يوجب الظنّ بصدق أحد الخبرين لا يكون بمرجّح ، بل موجب لسقوط الآخر عن الحجّيّة ، للظنّ بكذبه حينئذ» (٣) فاسد ، فإنّ الظنّ بالكذب لا يضرّ بحجّيّة ما اعتبر من باب الظنّ نوعا ، وإنّما يضرّ فيما اخذ في اعتباره عدم الظنّ بخلافه ، ولم يؤخذ في اعتبار الأخبار صدورا ولا ظهورا ولا جهة ذلك (٤). هذا.
مضافا إلى اختصاص حصول الظنّ بالكذب بما إذا علم بكذب أحدهما
__________________
(١) تعريض بالمحقّق الرشتيّ ، حيث ذهب إلى أنّ التعدّي إلى غير المرجّحات المنصوصة منوط بالظنّ. بدائع الأفكار (للمحقّق الرشتيّ) : ٤٣٤.
(٢) تعريض بالشيخ الأعظم الأنصاريّ ، حيث ذهب إلى التعدّي إلى خصوص ما يوجب أقربيّة ذيه إلى الواقع. فرائد الاصول ٤ : ٧٥.
(٣) هذا ما توهّمه الشيخ الأعظم الأنصاريّ في فرائد الاصول ٤ : ١١٦ ـ ١١٧.
وحاصل التوهّم : أنّه ـ بناء على التعدّي عن المرجّحات المنصوصة ـ يتعدّى إلى ما يوجب الظنّ الشأنيّ بالصدور دون الفعليّ ، إذ المزيّة الموجبة للظنّ الفعليّ بصدور ذيها توجب الظنّ الفعليّ بعدم صدور المعارض الفاقد لتلك المزيّة ، والظنّ بعدم الصدور يوجب خروجه عن الحجّيّة ، وحينئذ تخرج تلك المزيّة عن كونها مرجّحة لحجّة على حجّة اخرى ، بل تندرج فيما يميّز الحجّة عن اللاحجّة ، وهو أجنبيّ عن المقام.
(٤) أي : عدم الظنّ بالخلاف.