والبقاء كما في غيرها من الأحكام وموضوعاتها ، مثلاً حرمة شرب الخمر أُنيطت على عنوان الخمر حدوثاً وبقاءً ، فكما أن الحرمة تدور مدار وجود موضوعها وترتفع بارتفاعه ، فلتكن النجاسة أيضاً مرتفعة عند ارتفاع موضوعها وهو التغيّر.

وهذا الاستدلال مجرد دعوى لا برهان لها ، لأن الدليل إنّما دلّ على أن الماء إذا تغيّر يحكم عليه بالنجاسة ، وأمّا أن التغيّر إذا ارتفع ترتفع نجاسته فهو مما لم يقم عليه دليل ولا يستفاد من شي‌ء من الأخبار ، فهي ساكتة عن حكم صورة ارتفاع التغيّر عن الماء ، بل يمكن أن يقال إن مقتضى إطلاقاتها نجاسة الماء المتغيّر مطلقاً زال عنه تغيّره أم لم يزل.

ومنها : صحيحة ابن بزيع لقوله عليه‌السلام فيها : « حتى يذهب الريح ويطيب طعمه » حيث إنّه عليه‌السلام بيّن أن العلّة في طهارة ماء البئر هي زوال التغيّر عن طعمه ورائحته فيستفاد منها أن كل متغيّر يطهر بزوال تغيّره.

وهذا الاستدلال يبتني على أمرين : أحدهما : أن تكون « حتى » تعليلية لا غائية فكأنه عليه‌السلام قال ينزح ماء البئر ويطهر بذلك لعلّة زوال ريحه وطعمه. وثانيهما : أن يتعدى من موردها وهو ماء البئر إلى جميع المياه وإن لم يكن لها مادّة وهذان الأمران فاسدان.

أمّا الأمر الأوّل : فلأن المنع فيه ظاهر ، لأن ظاهر « حتى » في الرواية أنّه غاية للنزح بمعنى أنّه ينزح إلى مقدار تذهب به رائحته ويطيب طعمه ، كما هو ظاهر غيرها من الأخبار. نعم احتمل شيخنا البهائي قدس‌سره كونها تعليلية كما تقدّم نقله (١) وربّما يستعمل بهذا المعنى أيضاً في بعض الموارد فيقال : أسلم حتى تسلم إلاّ أن حملها على التعليلية في المقام خلاف الظاهر من جهة سائر الأخبار ، وظهور نفس كلمة « حتى » في إرادة الغاية دون التعليل.

__________________

(١) في ص ٧٧.

۴۸۵۱