﴿ وَأَنْزَلْنا مِنَ السَّماءِ ماءً بِقَدَرٍ فَأَسْكَنّاهُ فِي الْأَرْضِ وَإِنّا عَلى ذَهابٍ بِهِ لَقادِرُونَ (١) إلى غير ذلك من الآيات. فهذه المناقشة ساقطة.

الجهة الثالثة من المناقشات : أن الماء في الآية المباركة نكرة في سياق الإثبات وهي لا تفيد إلاّ أن فرداً من أفراد المياه طهور ، ولا دلالة فيها على العموم.

ويدفعها : أن الله سبحانه في مقام الامتنان على جميع طوائف البشر لا على طائفة دون طائفة ، وهذا يقتضي طهارة جميع المياه. على أن طهورية فرد من أفراد المياه من دون بيانه وتعريفه للناس مما لا نتعقل فيه الامتنان أصلاً ، بل لا يرجع إلى معنى محصل ، فالآية تدل على طهورية كل فرد من أفراد المياه.

ومن جملة الآيات التي يمكن أن يستدل بها على طهورية الماء ، قوله تعالى ﴿ وَيُنَزِّلُ عَلَيْكُمْ مِنَ السَّماءِ ماءً لِيُطَهِّرَكُمْ بِهِ (٢) وهذه الآية سليمة عن بعض المناقشات التي أوردوها على الآية المتقدمة ، كاحتمال كون الطهور بمعنى الطاهر أو بمعنى المبالغة. نعم ، يرد عليها أيضاً مناقشة الاختصاص بماء السماء ومناقشة عدم دلالتها على العموم لكون الماء نكرة في الآية المباركة ، والجواب عنهما هو الجواب فلا نعيد.

ثم إنّه ربّما تورد على الاستدلال بهذه الآية مناقشة أُخرى كما تعرض لها في الحدائق (٣) وغيره. وملخّصها عدم دلالة الآية على التعميم ، لا لأجل أن الماء نكرة بل لأنّها وردت في طائفة خاصة ، وهم المسلمون الذين كانوا يحاربون الكفّار في وقعة بدر ، ومع اختصاص المورد لا يمكن التعدي عنه.

والجواب عن ذلك : أن هناك روايات دلتنا على أن ورود آية من آيات الكتاب في مورد ، أو تفسيرها بمورد خاص لا يوجب اختصاص الآية بذلك المورد ، لأن القرآن يجري مجرى الشمس والقمر ، ويشمل جميع الأطوار والأعصار من دون أن يختص‌

__________________

(١) المؤمنون ٢٣ : ١٨.

(٢) الأنفال ٨ : ١١.

(٣) الحدائق ١ : ١٧٢.

۴۸۵۱