وممّا يدلّنا على ما ذكرناه : ما ورد في الأخبار من أن التراب أحد الطهورين (١) فإنّه لو أُريد من الطهور فيها ما هو طاهر في نفسه لما صحّ هذا الاستعمال قطعاً ، فإن سائر الأجسام أيضاً من الطاهرات كالخشب والمدر فما وجه تخصيصه التراب والماء بذلك؟ كما هو الحال أي لا يصح الاستعمال المذكور فيما لو أُريد منه المبالغة ، لأن التراب نظير غيره من الأجسام ، وليس فيها أشدية في الطهارة كما لا يخفى.

أضف إلى ذلك كلّه ما في بعض الروايات من أن التيمم طهور (٢) فإنّه صريح فيما ادعيناه في المقام من عدم كون هيئة الطهور موضوعة للطاهر أو للمبالغة ، فإن التيمم ليس إلاّ ضربه ومسحة وما معنى كونهما طاهرين أو كونهما أشد طهارة؟ وعليه فلا مجال لهذين الإيرادين بوجه.

وإذا بطل هذان المعنيان تتعين إرادة المعنى الثالث ، وهو كونه بمعنى ما يتطهر به نظير السحور والفطور والحنوط والوضوء والوقود ، بمعنى ما يتسحر به أو ما يفطر به وهكذا غيرهما. وبعبارة اخرى ما يكون منشأ للطهارة أو التسحر والجامع ما يحصل به المبدأ ، وبهذا المعنى استعمل في الخبرين المتقدمين. وعليه فالطهور يدل بالدلالة المطابقية على أن الماء مطهّر لغيره ومنشأ لطهارة كل شي‌ء ، وبالدلالة الالتزامية يدل على طهارة نفسه ، فإن النجس لا يعقل أن يكون منشأ للطهارة في غيره. ولعلّ من فسّره من الفقهاء ومنهم صاحب الجواهر قدس‌سره : بما يكون طاهراً في نفسه ومطهّراً لغيره (٣) ، أراد ما ذكرناه من دلالته على المطهرية بالمطابقة وعلى طهارته بالالتزام ، وإلاّ فلم توضع هيئة الطهور « فعول » للمعنى الجامع بين الطاهر والمطهّر.

ودعوى أن الروايتين وردتا في الطهارة الحدثية ، وهي المراد من مادة الطهور فيهما والكلام في الأعم من الطهارة الحدثية والخبثية.

__________________

(١) كما ورد مضمونه في صحيحة محمد بن حمران ، وجميل بن دراج جميعاً عن أبي عبد الله عليه‌السلام المرويّة في وسائل الشيعة ٣ : ٣٨٥ / أبواب التيمم ب ٢٣ ح ١.

(٢) ورد مضمون ذلك في صحيحتي زرارة المروية في الوسائل ٣ : ٣٨١ / أبواب التيمم ب ٢١ ح ١ ومحمد بن مسلم المروية في الوسائل ٣ : ٣٧٠ / أبواب التيمم ب ١٤ ح ١٥.

(٣) الجواهر ١ : ٦٤.

۴۸۵۱