يستبعد تقديم بيِّنة الأكثر بدعوى : أن الاثنين يعارض الاثنين من الأربعة فيبقى الاثنان الآخران منها سليماً عن المعارض.
إلاّ أن هذه الدعوى لا يمكن تتميمها بدليل ، وذلك لأن دليل اعتبار البيِّنة إنما دل على اعتبار الشهادات والبيِّنات الخارجية ، ومن الظاهر أنه يستحيل أن يشمل كل بيِّنة خارجية حتى ما كان منها متعارضاً ، لأن شموله لأحدهما دون الآخر ترجيح بلا مرجح ، وشموله لهما مستلزم للجمع بين المتناقضين أو الضدين فلا محيص من سقوط المتعارضين عن الاعتبار ، ونسبة دليل الاعتبار إلى كل من الأكثر والأقل على حد سواء ، فان كل اثنين من الأربعة تعارض شهادتهما شهادة البيِّنة الأُخرى ، فمقتضى المعارضة سقوط المتعارضين عن الاعتبار كانا متساويين في العدد أم كانا مختلفين.
وعلى الجملة حال البيِّنتين المتعارضتين حال الخبرين المتعارضين ، فكما أن رواية إذا عارضها روايتان لا يمكن أن يقال : إن واحدة منهما تعارض الرواية الواحدة وتبقى الثانية سليمة عن المعارض ، لأن نسبة دليل الاعتبار إلى كل من المتعارضين على حد سواء ، والرواية الواحدة معارضة لكل من الروايتين فيسقط المتعارضان معاً عن الاعتبار ، فكذلك الحال في البيِّنتين المتعارضتين ، ومن الغريب أنه قدسسره لم يلتزم بذلك في الخبرين والتزم به في المقام.
نعم ، ذكرنا في محلّه أن إحدى الروايتين المتعارضتين إذا كانت مشهورة أي واضحة وظاهرة عند الجميع سقطت النادرة من الاعتبار إلاّ أن هذا أجنبي عن الترجيح بالأكثرية ، حيث إنها لا توجب سقوط معارضها عن الاعتبار فالشهرة الموجبة للترجيح أو السقوط بمعنى الظهور والوضوح لا بمعنى الكثرة العددية.
أجل ، ورد في بعض فروع القضاء وهو ما إذا ادعى أحد مالاً على آخر وأقام بيِّنة وأقام من عليه المال أيضاً بيِّنة على خلاف المدعي ، ووصلت النوبة إلى الاستحلاف ولم يكن ترجيح لأحدهما على الآخر ، أن الحلف يتوجه إلى من كانت بينته أكثر (١)
__________________
(١) صحيحة أبي بصير قال : « سألت أبا عبد الله عليهالسلام عن الرجل يأتي القوم فيدعي داراً