ويدفعها : أن الرواية مخالفة لضرورة المذهب وللإجماع القطعي بين المسلمين لبداهة أن التقارب من البئر بما هو تقارب ليس من أحد المنجسات شرعاً فان المناط في التنجيس إنما هو سراية النجاسة إلى ملاقيها ، وعليه فان علمنا بالسراية في المقام فنحكم بنجاسة البئر لا محالة وإلاّ فلا موجب للحكم بنجاستها ، وهذا كما إذا وقعت النجاسة في البالوعة في زمان قريب بحيث لا تسري منها إلى البئر في تلك المدة اليسيرة.

ودعوى أن الإمام عليه‌السلام بصدد بيان الضابط للعلم بسراية النجاسة على غالب الناس ، فان كون التباعد أقل من ثلاثة أذرع أو أربعة يوجب العلم بالسراية في الأغلب ، كما أن كونه أكثر منهما يوجب عدم حصول العلم بالسراية.

مندفعة : أولاً : بأن تحديد حصول العلم بالسراية بذلك جزاف لأن العلم بالسراية قد يحصل في ثلاثة أذرع ، وقد يحصل العلم بعدم السراية في أقل منها ، فدعوى أن العلم بعدم السراية يحصل في الثلاثة ولا يحصل في أقل منها ولو بنصف ذراع مما لا أساس له.

وثانياً : أن حمل تحديده عليه‌السلام على ذلك ليس بأولى من حمله على ما ذكرناه آنفاً من إرادة التحفظ على نظافة الماء ، لأنها مورد لاهتمام الشارع حتى لا يستقذره الناس فيحمل التنجيس على القذارة العرفية دون الشرعية ، ومن هنا ورد الأمر بسكب الماء فيما إذا وقع فيه فأرة أو عقرب وهي صحيحة هارون بن حمزة الغنوي عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال : « سألته عن الفأرة والعقرب وأشباه ذلك يقع في الماء فيخرج حياً هل يشرب من ذلك الماء ويتوضأ منه؟ قال : يسكب منه ثلاث مرات ، وقليله وكثيره بمنزلة واحدة ... » (١). فان من الضروري الذي لم يختلف فيه اثنان في الآونة الأخيرة عدم نجاسة العقرب ، ولا سيما إذا خرج عن الماء حياً وكذلك الفأرة إذا خرجت حية ، فلا وجه لحكمه عليه‌السلام بالسكب ثلاث مرات إلاّ دفع الاستقذار عن السطح الظاهر من الماء ، فان الطباع البشرية مجبولة على التنفر‌

__________________

(١) الوسائل ١ : ١٨٨ / أبواب الماء المطلق ب ١٩ ح ٥.

۴۸۵۱