الاستدلال على طهارة البئر من المناقشة فيه كبرى وصغرى ، فراجع (١).

وأمّا الطائفة الثانية : وهي ما دلّ على منع الجنب من الوقوع في البئر ، فالجواب عنها أن صحيحة ابن أبي يعفور لم تفرض نجاسة بدن الجنب والغالب طهارته ، ولا سيما في الأعصار المتقدمة ، حيث كانوا يغتسلون بعد تطهير مواضع النجاسة من أبدانهم إذ لم يكن عندهم خزانة ولا كر آخر وانّما كانوا يغتسلون بالماء القليل ، ومعه لا محيص من تطهير مواضع النجاسة قبل الاغتسال حتى لا يتنجس به الماء ولا يبطل غسله ومع عدم نجاسة بدن الجنب لا وجه لانفعال البئر بوقوعه فيها ، إلاّ أن نلتزم بما ذهب إليه أبو حنيفة وبعض أصحابه من نجاسة الماء المستعمل في غسل الجنابة ولو مع طهارة بدن الجنب (٢) إلاّ أنه كما سنوقفك عليه في محلّه مما لا يمكن التفوه به ، فان اغتسال الجنب ليس من أحد المنجسات شرعاً.

ثم لو سلمنا نجاسة بدن الجنب فلما ذا لم يعلل عليه‌السلام منعه من الاغتسال في الآبار ببطلان الغسل حينئذٍ ، إذ لو كان بدن الجنب متنجساً فلا محالة يتنجس به الماء والغسل بالماء المتنجس باطل ، وإنما علله بقوله « ولا تفسد على القوم ماءهم » مع أن الغسل قد يتحقق في مورد لا قوم فيه ، أو نفرضه في بئر داره وهي ملكه ، وبهذا وذاك يظهر أن المراد بالإفساد في الرواية ليس هو التنجيس ، بل المراد به أحد أمرين :

أحدهما : أن الطباع البشرية تنزعج عن الماء الذي اغتسل فيه أحد ، وتتنفر عن شربه واستعماله في الأغذية ، ولا سيما بملاحظة أن البدن لا يخلو عن العرق والدسومة والوساخة ، وعليه فالمراد بالإفساد إلغاء الماء عن قابلية الانتفاع به ، فغرضه عليه‌السلام نهي الجنب عن الوقوع في البئر كي لا يستلزم ذلك تنفر القوم وعدم رغبتهم في استعمال مائها وبقاء الماء بذلك بلا منفعة.

وثانيهما : أن الآبار كالأحواض تشتمل على مقدار من الوحل والوساخة المجتمعة في قعرها ، فلو ورد عليها أحد لأوجب ذلك إثارة الوحل وبه يتلوث الماء ويسقط عن‌

__________________

(١) ص ٢٣٧.

(٢) قدّمنا نقل أقوالهم في هذه المسألة في ص ١٢٥ ، فراجع.

۴۸۵۱