في شي‌ء من رفع الحدث أو الخبث فهو نادر جدّاً ، ومن الظاهر أن حكم ماء المطر بعد نزوله حكم سائر مياه الأرض ولا يختلف حكمه عن حكمها.

وثانيهما : أن الضمير في قوله تعالى ﴿ لِيُطَهِّرَكُمْ بِهِ إنّما يرجع إلى الماء لا إلى الماء بقيد نزوله من السماء وهو نظير قولنا : قد أرسلت إليكم ماءً لتشربوه ، أي لتشربوا نفس الماء ، لا الماء بقيد الإرسال ، فالآية تدل على مطهّرية جميع أفراد المياه لو لا ما ذكرناه من المناقشة المتقدمة. نعم ، لا بأس بدلالة هذه الآية أيضاً على مطهّرية الماء عن الأحداث كدلالة الآية المتقدمة ، لما ورد من أن بعض المسلمين في وقعة بدر أُصيب بالجنابة فأنزل الله الماء ليتطهّروا به عن الجنابة.

فذلكة الكلام : أن الآيتين تدلاّن على طهارة الماء في نفسه ، لما مرّ من أنهما في مقام الامتنان بتكوين الماء وجعله مزيلاً للأقذار والأوساخ. ومن البيّن أنّه لا امتنان في إزالة الأوساخ بالنجس ، فإنّه يوجب تنجس البدن أو الثياب أو غيرهما زائداً على ما فيهما من الأقذار. فلا محيص من دلالتهما على طهارة الماء في نفسه كما دلّتا على مطهّرية الماء من حدث الجنابة ، بل لولاهما أيضاً لأمكننا استفادة مطهّرية الماء عن الأحداث مطلقاً من قوله تعالى ﴿ إِذا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلاةِ فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ ﴿ ... وَإِنْ كُنْتُمْ جُنُباً فَاطَّهَّرُوا (١) أي بالماء لقوله تعالى في ذيل الآية المباركة ﴿ فَلَمْ تَجِدُوا ماءً فَتَيَمَّمُوا صَعِيداً طَيِّباً فالماء مطهّر من الأحداث صغيرة كانت أم كبيرة وأمّا أنّه مطهّر على نحو الإطلاق حتى من الأخباث فلا يمكن استفادته من الآيات ، فلا بدّ فيه من مراجعة الروايات الواردة في المقام.

الروايات الدالّة على طهارة الماء‌

أمّا ما يستفاد منه طهارة الماء في نفسه فهو طوائف من الأخبار يمكن دعوى تواترها إجمالاً ، وإليك بعضها :

__________________

(١) المائدة ٥ : ٦.

۴۸۵۱