وبه نحكم بانفعاله.

هذا ولكنا قد قررنا في الأُصول بطلان التمسك بالعام في الشبهات المصداقية وذكرنا أنّه مما لا أساس له بلا فرق في ذلك بين العموم والإطلاق لتساويهما من هذه الجهة ، فالتمسك بإطلاق قوله عليه‌السلام « الماء إذا بلغ ... » المقتضي لانفعال القليل بالملاقاة غير سائغ في الشبهات المصداقية.

الثاني : قاعدة المقتضي والمانع ، كما ذهب إليها بعض المتقدمين على ما نسب إليه وبعض المتأخرين ممن قارب عصرنا ، حيث ذهب إلى أنّها المستند لاعتبار الاستصحاب ، وتقريبها في المقام أن يقال : إن ملاقاة النجاسة للماء القليل مقتضية للانفعال ، واتصاله بالمادّة مانع عن الانفعال وكلما علمنا بوجود المقتضي وشككنا في ما يمنع عن تأثيره نبني على عدم المانع وعلى وجود المعلول.

وقد ذكرنا في بحثي العموم والاستصحاب (١) أن هذه القاعدة أيضاً لا ترجع إلى أساس متين ، والعقلاء لا يبنون على وجود المعلول عند إحراز المقتضي والشكّ في وجود مانعه ، بل المتّبع هو الاستصحاب والأخذ بالمتيقن السابق عند الشكّ في بقائه.

الثالث : ما أسسه شيخنا الأُستاذ قدس‌سره ورتّب عليه فروعاً كثيرة في الأبواب الفقهية منها المقام وحاصله : أن الاستثناء من الحكم الإلزامي أو ما يلازمه كالنجاسة الملازمة لحرمة الشرب والوضوء والغسل وغيرها من أحكام النجاسات إذا تعلق بعنوان وجودي فهو عند العرف بمثابة اشتراط إحراز ذلك العنوان الوجودي في ارتفاع الحكم الإلزامي أو ما يلازمه ولا يكفي في ارتفاعها مجرد وجوده الواقعي (٢) ، وكان قدس‌سره يمثّل له بما إذا نهى المولى عبده من أن يأذن لأحد في الدخول عليه إلاّ لأصدقائه فشكّ العبد في صداقة زيد وعداوته لمولاه ، فإنّه ليس له أن يتمسّك بالبراءة عن حرمة الترخيص لزيد في الدخول ، بلحاظ أن الشبهة تحريمية موضوعية وهي مورد للبراءة باتفاق من الأخباريين والأُصوليين وذلك لأن العرف في مثله يرى‌

__________________

(١) مصباح الأُصول ٣ : ٢٤١.

(٢) أجود التقريرات ١ : ٤٦٤.

۴۸۵۱