فيما علم حرمته إحراز تركه وعدم إتيانه امتثالا لنهيه ، غاية الأمر كما يحرز وجود الواجب بالأصل كذلك يحرز ترك الحرام به.

والفرد المشتبه وإن كان مقتضى أصالة البراءة جواز الاقتحام فيه ، إلّا أنّ قضيّة لزوم إحراز الترك اللازم وجوب التحرّز عنه ، ولا يكاد يحرز إلّا بترك المشتبه أيضا ، فتفطّن (١).

__________________

(١) لا يخفى : أنّ تعلّق النهي بالشيء ليس منحصرا فيما ذكره المصنّف قدس‌سره من القسمين ، بل النهي المتعلّق بالشيء يتصوّر على أقسام :

القسم الأوّل : أن يكون متعلّقا بالشيء على نحو الطبيعة السارية ، بأن يكون الحكم متعدّدا بتعدّد أفراده ، بحيث يتعلّق بكلّ فرد من الأفراد نهي مستقلّ. وحينئذ فالشكّ في كون فرد مصداقا للموضوع يرجع إلى الشكّ في ثبوت التكليف ، فتجري أصالة البراءة ، فإنّ العلم بالكبرى ـ وهو الحكم بنحو الكلّيّ ، مثل ، «لا تشرب الخمر» ـ لا يصير حجّة على الصغرى ، ولا يمكن كشف حال الفرد منها. وهذا ممّا اتّفق عليه الشيخ الأعظم والمحقّق الخراسانيّ ، بل تبعهما المتأخّرون منهما ، وإن اختلفوا في بيان الوجه في عدم حجّيّة الكبرى على الصغرى.

فذكر المحقّق النائينيّ أنّ مجرّد العلم بالكبريات المجعولة لا يوجب تنجّزها وصحّة العقوبة على مخالفتها ما لم يعلم بتحقّق صغرياتها خارجا ، فإنّ التكليف لا يتنجّز إلّا بعد فعليّة الخطاب ، وهو لا يمكن أن يصير فعليّا إلّا بعد وجود موضوعه ، لأنّ التكاليف انّما تكون على نهج القضايا الحقيقيّة المنحلّة إلى قضيّة شرطيّة ، مقدّمها وجود الموضوع وتاليها عنوان المحمول ، فلا بدّ من فرض وجود الموضوع في ترتّب المحمول ، فالعلم بعدم وجوده يستلزم العلم بعدم فعليّة التكليف ، والشكّ فيه يستلزم الشكّ فيها ، لأنّ وجود الصغرى ممّا له دخل في فعليّة الكبرى. فوائد الاصول ٣ : ٣٩٠ ـ ٣٩٤.

وسلك المحقّق العراقيّ مسلكا آخر ، حاصله : أنّ القضايا في باب التكاليف ليست من القضايا الحقيقيّة ـ كما ذهب إليه المحقّق النائينيّ ـ ، بل هي من القضايا الطبيعيّة ، بمعنى أنّ وجود المتعلّق من حدود المكلّف به لا من شرائط التكليف ، فإنّ الشكّ في فرديّة شيء لا يكون كسائر موارد الشكّ في شرط التكليف كي يوجب الشكّ في أصل توجّه التكليف ، بل يكون من باب الشكّ في مصداق الخطاب المتوجّه إلينا جزعا ، غاية الأمر لمّا كان الخطاب الكلّيّ انحلاليّا حسب تعدّد مصاديقه لا يكون بالنسبة إلى هذا المشكوك حجّة من جهة الشكّ في انطباق العنوان عليه ، لا من جهة الشكّ في توجّه التكليف إليه. راجع هامش فوائد الاصول ٣ : ٣٩١ ـ ٣٩٣. ـ

۴۴۳۱