__________________

ـ وأفاد المحقّق الاصفهانيّ مسلكا آخر ، حاصله : أنّه ليس المراد من البيان في «قاعدة قبح العقاب بلا بيان» ما هو وظيفة الشارع من بيان الكبرى حكما وموضوعا ، كي يقال : «إنّ البيان حاصل وتشخيص المصاديق ليس من وظيفة الشارع» ، بل المراد من البيان هو المصحّح للعقوبة والمؤاخذة عقلا وشرعا ، وهو مفقود في المقام ، لأنّ مخالفة التكليف الواقعيّ بما هي ليست مصحّحة للعقوبة عقلا ، بل انّما تكون مصحّحة لها بما هي ظلم على المولى وخروج عن زيّ الرقّيّة ورسم العبوديّة ، وكما أنّ مخالفة التكليف الّذي لا حجّة على أصله ولا على متعلّقه ليست ظلما ، إذ ليست خروجا من زيّ الرقّيّة ، كذلك مخالفة التكليف المعلوم الّذي صادف الفرد المشكوك في الواقع ليست ظلما ، فإنّ فعل هذا المشكوك أو تركه ليس خروجا من زيّ الرقيّة ، وعليه تجري قاعدة قبح العقاب بلا بيان ويرجع إلى البراءة. نهاية الدراية ٢ : ٥٥٥ ـ ٥٥٦.

وأفاد السيّد الإمام الخمينيّ أنّ الأحكام قد تصدر من المولى على نعت القانونيّة وضرب القاعدة ، وأحال مخصّصاتها وحدودها إلى أوقات أخر ، ثمّ بعد ذكر المخصّصات والحدود تصير فعليّة. وعليه فلا تكون الكبرى الكلّيّة فعليّة قابلة للإجراء إلّا بعد تتميم حدودها وشرائطها ، فلا تكون حجّة على الموضوع المشكوك فيه ، فتجري أصالة البراءة. أنوار الهداية ٢ : ١٤٧.

فهذه مسالك مشتركة في إثبات عدم حجّيّة الخطاب الكلّي بالنسبة إلى الفرد المشكوك فيه ، ومختلفة في بيان وجه عدم الحجّيّة.

القسم الثاني : أن يكون النهي متعلّقا بالشيء على نحو صرف الوجود ، بأن يكون التكليف واحدا متعلّقا بترك الطبيعة رأسا ، بحيث لو وجد فرد منها لما امتثل اصلا. وفي هذا الفرض اختلفت أنظار الأعلام فيما لو شكّ في كون شيء مصداقا للموضوع :

فالظاهر من إطلاق كلام الشيخ الأعظم أنّ المرجع فيه أصالة البراءة ، كما مرّ.

وذهب المصنّف قدس‌سره إلى أنّ المرجع فيه قاعدة الاشتغال ، لأنّ تعلّق التكليف بترك الطبيعة معلوم ، ولا يحرز امتثاله إلّا بترك كلّ ما يحتمل انطباق الطبيعة عليه.

ووافقه بعض تلامذته ـ كالمحقّق الحائريّ في درر الفوائد ٢ : ١١١ ـ ، وخالفه المحقّقان الأصفهانيّ والعراقيّ والسيّدان العلمان الخمينيّ والخوئيّ.

أمّا المحقّق الأصفهانيّ : فهو ـ بعد ما بيّن المراد من صرف الوجود وأنّه الوجود الجامع بين وجودات طبيعة خاصّة بنهج الوحدة في الكثرة ـ حمل كلام المصنّف قدس‌سره في المقام على ما إذا انبعث طلب الترك عن مصلحة واحدة في طبيعيّ الترك بحدّه أو مجموع التروك. ثمّ قرّب جريان البراءة فيما إذا تعلّق النهي بالشيء على نحو صرف الوجود. راجع نصّ كلامه في نهاية الدراية ٢ : ٥٤٨ ـ ٥٥٣ ، فإنّ كلامه دقيق جدّا. ـ

۴۴۳۱