بحيث لو وجد في ذاك الزمان أو المكان ـ ولو دفعة (١) ـ لما امتثل أصلا ، كان اللازم على المكلّف إحراز أنّه تركه بالمرّة ولو بالأصل ، فلا يجوز الإتيان بشيء يشكّ معه في تركه (٢) ، إلّا إذا كان مسبوقا به ليستصحب مع الإتيان به (٣).
نعم ، لو كان (٤) بمعنى طلب ترك كلّ فرد منه على حدة لما وجب إلّا ترك ما علم أنّه فرد ، وحيث لم يعلم تعلّق النهي إلّا بما علم أنّه مصداقه ، فأصالة البراءة في المصاديق المشتبهة محكّمة.
فانقدح بذلك أنّ مجرّد العلم بتحريم شيء لا يوجب لزوم الاجتناب عن أفراده المشتبهة فيما كان المطلوب بالنهي طلب ترك كلّ فرد على حدة ، أو كان الشيء مسبوقا بالترك ، وإلّا لوجب الاجتناب عنها عقلا لتحصيل الفراغ قطعا (٥).
فكما يجب فيما علم وجوب شيء إحراز إتيانه إطاعة لأمره ، فكذلك يجب
__________________
ـ وعلى الثاني : يكون الشكّ في كون الفرد مصداقا للموضوع شكّا في ثبوت التكليف ، إذ المفروض كون كلّ فرد محكوما بحكم مستقلّ ، فالشكّ في فرديّة شيء يستتبع الشكّ في ثبوت الحكم له ، فتجري البراءة ويجوز ارتكابه.
والحاصل : أنّ ما أفاده الشيخ الأعظم من إطلاق الحكم بالبراءة في الشبهة الموضوعيّة التحريميّة ممنوع.
(١) أي : ولو دفعة واحدة.
(٢) أي : فلا يجوز الإتيان بفرد يشكّ مع الإتيان به في ترك الشيء بالمرّة.
(٣) أي : إذا كان ذلك الشيء ـ بطبيعته ـ مسبوقا بالترك مع الإتيان بهذا الفرد المشكوك الفرديّة بالفعل فحينئذ يستصحب ترك الشيء مع الإتيان بهذا الفرد بالفعل.
واستشكل المحقّق الأصفهانيّ في هذا الاستصحاب بأنّ المستصحب ليس من المجعولات الشرعيّة ، ولا أنّه ذو أثر شرعيّ ، فإنّ المترتّب عليه هو الفراغ عن العهدة ، وهو أثر عقليّ. نهاية الدراية ٢ : ٥٥٣.
(٤) هكذا في جميع النسخ. والأولى أن يقول : «وإذا كان ...».
(٥) والحاصل : أنّ المصنّف قدسسره نفى إطلاق كلام من توهّم كفاية مجرّد العلم بتحريم الشيء على نحو الكلّي في لزوم الاجتناب عن أفراد المشتبه ، فلا تجري البراءة فيها مطلقا. كما نفى إطلاق كلام الشيخ الأعظم من عدم كفاية العلم بتحريم الشيء في لزوم الاجتناب عن أفراد المشتبه ، فتجري البراءة فيها مطلقا.