قلت : إنّما يضرّ السبق إذا كان المعلوم اللاحق حادثا ، وأمّا إذا لم يكن كذلك ، بل ممّا ينطبق عليه ما علم أوّلا ، فلا محالة قد انحلّ العلم الإجماليّ إلى التفصيليّ والشكّ البدويّ(١).

إن قلت : إنّما يوجب العلم بقيام الطرق المثبتة له بمقدار المعلوم بالإجمال ، ذلك (٢) إذا كان قضيّة قيام الطريق على تكليف موجبا لثبوته فعلا (٣). وأمّا بناء على أنّ قضيّة حجّيّته واعتباره شرعا ليست إلّا ترتيب ما للطريق المعتبر عقلا ـ وهو (٤) تنجّز ما أصابه والعذر عمّا أخطأ عنه ـ فلا انحلال لما علم بالإجمال أوّلا ، كما لا يخفى (٥).

__________________

ـ في انحلال العلم الإجماليّ المتقدّم ، بل انّما يؤثّر في انحلاله ويمنع من تأثيره فيما إذا كان متقدّما عليه أو مقارنا له.

(١) وتوضيح الجواب : أنّ المعتبر في الانحلال هو مطابقة المعلوم بالعلم الإجماليّ الصغير مع المعلوم بالعلم الإجماليّ الكبير ، لا مقارنة العلم الإجماليّ الصغير مع العلم الإجماليّ الكبير أو سبقه عليه ، فإذا تعلّق العلم الإجماليّ الكبير ـ مثلا ـ بإصابة قطرة دم بأحد الإنائين ، ثمّ تعلّق العلم الإجماليّ الصغير بوقوع تلك القطرة في الإناء الأبيض تحقّق انحلال العلم الإجماليّ الكبير بالعلم الإجماليّ الصغير ، سواء كان متأخّرا عنه أو مقارنا له أو سابقا عليه. وكذلك في المقام ، لأنّا نعلم إجمالا بثبوت تلك المائة في موارد الأمارات والاصول المعتبرة ، فيحتمل انطباق المعلوم بالعلم الإجماليّ الكبير على المعلوم بالعلم الإجماليّ الصغير ، فيتّحد المعلومان وينحلّ العلم الإجماليّ الكبير بالعلم الإجماليّ الصغير مطلقا ، سواء تقدّم الصغير على الكبير أو قارنه أو تأخّر عنه.

(٢) مفعول لقوله : «يوجب». والمشار إليه هو الانحلال.

(٣) هكذا في جميع النسخ. والصحيح أن يقول : «إذا كان قيام الطريق على تكليف موجبا لثبوته فعلا» ، أو يقول : «إذا كانت قضيّة قيام الطريق على تكليف ثبوته فعلا».

(٤) أي : ما للطريق المعتبر.

(٥) توضيح الإشكال يتوقّف على تقديم مقدّمة :

وهي : أنّ في حجّيّة الأمارات والطرق مذهبان : (أحدهما) : أنّها حجّة مجعولة على نحو السببيّة ، بمعنى أنّها تكون سببا لحدوث مصلحة في مؤدّاها وموجبا لكونه حكما فعليّا للمكلّف. (ثانيهما) : أنّها مجعولة على نحو الطريقيّة ، بمعنى أنّها مجعولة لتكون طريقا ـ

۴۴۳۱