وقد عرفت (١) أنّه لا تجب موافقة الأحكام التزاما ، ولو وجب لكان الالتزام إجمالا بما هو الواقع معه ممكنا (٢).
__________________
ـ وأمّا المانع شرعا : فمثل ما يمنع عن جريانها في الشبهة البدويّة ، فإنّ الشرع يمنع عن جريانها فيها بناء على تقديم أخبار الاحتياط.
وغرض المصنّف قدسسره أنّه لا مانع من شمول قاعدة الحلّ للمقام ، لا عقلا ولا شرعا.
ولكن أورد عليه المحقّق النائينيّ بوجوه :
الأوّل : أنّ أدلّة الإباحة الشرعيّة مختصّة بالشبهات الموضوعيّة ، فلا تجري فيما إذا دار الأمر بين المحذورين في الشبهات الحكميّة.
الثاني : عدم شمول دليلها لصورة دوران الأمر بين المحذورين ، فإنّه يختصّ بما إذا كان طرف الحرمة الإباحة والحلّ ، لا الوجوب ، كما هو الظاهر من قوله عليهالسلام : «كلّ شيء فيه حلال وحرام فهو لك حلال».
الثالث : أنّه لا يمكن جعل الإباحة الظاهريّة مع العلم بجنس الإلزام ، فإنّ أصالة الإباحة بمدلولها المطابقيّ تنافي المعلوم بالإجمال ، لأنّ مفادها الرخصة في الفعل والترك ، وهو ينافي العلم بالإلزام. فوائد الاصول ٣ : ٤٤٥.
والسيّد المحقّق الخوئيّ وإن اختار جريان البراءة في المقام ، إلّا أنّه لمّا اعتقد بوجود الفرق بين أصالة الحلّ وأصالة الإباحة ، فلا يكون الإيراد على أحدهما عنده إيرادا على الآخر ، فتبع استاذه وأورد على دلالة حديث الحلّ بالوجهين الأوّلين. فراجع مصباح الاصول ٢ : ٢٧٦.
وذهب السيّد الإمام الخمينيّ إلى نفي الفرق بين أصالة الإباحة وأصالة البراءة ، فكان الإيراد على أصالة الإباحة إيرادا على أصالة البراءة عنده ، ولذا أجاب عن تلك الوجوه الثلاثة :
أمّا الوجه الأوّل : فلعدم اختصاص مفاد حديث الحلّ بالشبهات الموضوعيّة.
وأمّا الوجه الثاني : فلانّه مناف لما أفاده ثالثا من كون مفاد أصالة الحلّ الرخصة في الفعل والترك ، فإنّ جعل الرخصة في الفعل والترك انّما هو فيما إذا كانت الشبهة في الوجوب والحرمة جميعا ، ضرورة أنّه لو كان طرف الحرمة عدم الوجوب بأن يشكّ في الحرمة والحلّيّة فلا معنى للرخصة في الترك.
وأمّا الوجه الثالث : فلأنّ التنافي بين الإباحة الظاهريّة والإلزام الواقعيّ ليس إلّا كتنافي الأحكام الواقعيّة والظاهريّة ، والجمع بينهما هو الجمع بينهما. أنوار الهداية ٢ : ١٧٦ ـ ١٧٧.
(١) في الجزء الثاني : ٢٥٧ ، حيث قال : «هل تنجّز التكليف بالقطع ...».
(٢) هذا إشارة إلى وهم ودفع :
توضيح الوهم : أنّه تجب موافقة الأحكام التزاما ـ أي اعتقادا ـ بعقد القلب عليها كما ـ