__________________
ـ أنّ البيان حاصل بالنسبة إلى أصل التكليف الإلزاميّ ، فلا تجري قاعدة قبح العقاب بلا بيان بالنسبة إليه ؛ وأمّا نوع التكليف فهو غير معلوم ، لا إجمالا ولا تفصيلا ، فلا بيان بالنسبة إليه ، وحينئذ يرجع إلى البراءة العقليّة بالنسبة إلى نوع التكليف ويحكم بالبراءة وعدم العقاب.
وأجاب عن المحقّق العراقيّ بما لفظه : «إنّ حكم العقل بالتخيير في الرتبة المتأخّرة عن قاعدة قبح العقاب بلا بيان في طرفي الفعل والترك ، وإلّا فلو فرض عدم قبحه بالنسبة إلى خصوص أحد الطرفين لم يحكم بالتخيير بالضرورة ، فالاضطرار لا يكون إلّا لواحد منهما ، وأمّا بخصوص كلّ منهما فلا يكون مضطرّا ، فلو فرض كونه واجبا بحسب الواقع وترك المكلّف مع قدرته على فعله بالضرورة لم يكن عدم العقاب للاضطرار وعدم القدرة ، بل لقبح العقاب بلا بيان». راجع هامش أنوار الهداية ٢ : ١٧٤ ـ ١٧٥.
وأفاد في الجواب عن كلام آخر للمحقّق النائينيّ من نفي البراءة الشرعيّة بما حاصله : أنّ مورد دوران الأمر بين المحذورين يكوّن مصداقين لحديث الرفع : (أحدهما) الوجوب ، و (ثانيهما) الحرمة ، فإنّهما غير معلومين ، فيكونا مرفوعين. وأمّا المجموع من حيث المجموع ـ أي أصل التكليف الإلزاميّ ـ فلا يكون مفاد دليل الرفع ، ضرورة أنّ المجموع من حيث المجموع غير قابل للوضع ، وما لا يمكن وضعه لا يمكن رفعه. بخلاف الوجوب والحرمة ، فإنّهما قابلان للوضع ، وما يمكن وضعه يمكن رفعه. أنوار الهداية ٢ : ١٧٠ ـ ١٧٩.
ومن هنا يظهر جوابه عمّا أفاد المحقّق الأصفهانيّ في مقام نفي البراءة الشرعيّة. وحاصل الجواب : أنّ ما كان عدم تنجّزه من ناحية عدم التمكّن من الامتثال هو أصل التكليف الإلزاميّ ، فإنّه أمر انتزاعيّ ، وليس بمجعول شرعيّ ، فلا يكون موضوعا كي يرفع بدليل الرفع. وأمّا نوع التكليف ـ أي نفس الوجوب والحرمة ـ فهو قابل للوضع ، ولا مانع من جريان دليل البراءة بالنسبة إليه.
ولا يخفى : أنّ ما ذكروه من الأدلّة والردود حول هذا الوجه قابل للنقض والإبرام ، ولكنّه خارج عن المقصود ، وفيما ذكرناه الكفاية.
الوجه الثاني : وجوب الأخذ بأحد الاحتمالين تعيينا ، لترجيح جانب الحرمة والبناء عليه في مرحلة الظاهر. واستدلّ عليه بوجوه ، تعرّض المصنّف قدسسره لبعضها في مسألة اجتماع الأمر والنهي في الجزء الثاني : ٦٣ ـ ٦٨ ، كما سيأتي التعرّض لأحدها والإجابة عنه في آخر هذا الفصل.
الوجه الثالث : وجوب الأخذ بأحدهما تخييرا ، ويعبّر عنه بالتخيير الشرعيّ. واستدلّ عليه بقياس المقام بتعارض الخبرين الدالّ أحدهما على الحرمة والآخر على الوجوب ، وسيأتي بطلانه. ـ