تفصيلا بعد نهوضها عليه إجمالا ، ففيه وجوه : الحكم بالبراءة عقلا ونقلا ، لعموم النقل وحكم العقل بقبح المؤاخذة على خصوص الوجوب أو الحرمة للجهل به ؛ ووجوب الأخذ بأحدهما تعيينا أو تخييرا ؛ والتخيير بين الترك والفعل عقلا مع التوقّف عن الحكم به رأسا ، أو مع الحكم عليه بالإباحة شرعا (١).
__________________
ـ وعليه : فيكون محلّ النزاع ومورد الوجوه الآتية دوران الأمر بين الوجوب والحرمة في التوصّليّات مع وحدة الواقعة.
(١) لا يخفى عليك : أنّ الوجوه في المسألة وإن كانت كثيرة وعدّها العلّامة المحشّي المشكينيّ عشرة ، إلّا أنّ المصنّف قدسسره انّما تعرّض لوجوه خمسة :
الوجه الأوّل : جريان البراءة عقلا وشرعا.
أمّا البراءة العقليّة : فلأنّ كلّا من الحرمة والوجوب مجهول ، فيصدق عدم البيان بالنسبة إليهما ، والعقل يحكم بقبح العقاب بلا بيان.
أمّا البراءة النقليّة : فلعموم حديث الرفع ونحوه ممّا دلّ على رفع الحكم عند الجهل به.
وهذا مختار السيّدين العلمين : الإمام الخمينيّ والمحقّق الخوئيّ. راجع أنوار الهداية ٢ : ١٧٤ و ١٧٩ ، تهذيب الاصول ٢ : ٢٤٠ و ٢٤٢ ـ ٢٤٣ ، مصباح الاصول ٢ : ٣٢٩.
ولا يخفى : أنّ كلّ واحد من الأعلام الثلاثة نفى جريان البراءة بوجه غير ما ذكره الآخر :
أمّا المحقّق النائينيّ : فنفى البراءة العقليّة والشرعيّة من جهة أنّه لا موضوع لهما :
أمّا البراءة العقليّة : فلأنّ مدركها «قبح العقاب بلا بيان» ، وفي دوران الأمر بين المحذورين يقطع بعدم العقاب ، لأنّ وجود العلم الإجماليّ لا يقتضي التنجيز والتأثير ، فالقطع بالمؤمّن حاصل بنفسه بلا حاجة إلى حكم العقل.
وأمّا البراءة الشرعيّة : فلأنّ مدركها قوله صلىاللهعليهوآله : «رفع ما لا يعلمون» ، والرفع فرع إمكان الوضع. وفي موارد دوران الأمر بين المحذورين لا يمكن وضع الوجوب والحرمة كليهما ، لا على سبيل التعيين ولا على سبيل التخيير ، ومع عدم إمكان الوضع لا يعقل تعلّق الرفع ، فأدلّة البراءة لا تعمّ المقام. فوائد الاصول ٣ : ٤٤٨.
وأمّا المحقّق العراقيّ : فأفاد في وجه عدم جريان البراءة الشرعيّة والعقليّة بما حاصله : أنّ جريان أدلّة البراءة يختصّ بما إذا لم يكن هناك ما يقتضي الترخيص في الفعل والترك بمناط آخر ـ كالاضطرار ـ غير مناط عدم البيان ، فإذا فرض حصول الترخيص بحكم العقل بمناط الاضطرار لا ينتهي الأمر إلى الترخيص الظاهريّ بمناط عدم البيان. وفي المقام يحصل الترخيص بحكم العقل بمناط الاضطرار إلى أحد الأمرين من الفعل والترك ، فلا يبقى مجال ـ