وإن كان ممّا ينتهي إليها (١) فيما لا حجّة على طهارته ولا على نجاسته ، إلّا أنّ البحث عنها ليس بمهمّ ، حيث إنّها ثابتة بلا كلام من دون حاجة إلى نقض وإبرام. بخلاف الأربعة ـ وهي البراءة والاحتياط والتخيير والاستصحاب ـ ، فإنّها محلّ الخلاف بين الأصحاب ، ويحتاج تنقيح مجاريها وتوضيح ما هو حكم العقل أو مقتضى عموم النقل فيها إلى مزيد بحث وبيان ومئونة حجّة وبرهان ، هذا. مع جريانها في كلّ الأبواب واختصاص تلك القاعدة ببعضها (٢) ، فافهم (٣).
__________________
(١) قوله : «وإن كان ممّا ينتهي إليه ...» مشعر بأنّ المجتهد قد ينتهي إلى غير أصل الطهارة فيما لا حجّة على طهارته ولا على نجاسته ، فإنّ المجتهد حينئذ قد ينتهي إلى قاعدة الطهارة وهو فيما إذا لم يكن للمكلّف حالة سابقة معلومة ، وقد ينتهي إلى قاعدة الاستصحاب ، وهو فيما إذا كان للمكلّف حالة سابقة معلومة.
(٢) والحاصل : أنّ مثل قاعدة الطهارة وإن كان ممّا ينتهي إليه المجتهد في مقام العمل ، فكان من المسائل الاصوليّة ، ولكن لم يتعرّضوا لها ـ بل حصروا الاصول في الأربعة ـ لوجهين :
الأوّل : أنّ مثل قاعدة الطهارة ثابتة عند الكلّ من دون خلاف فيها ، فلا تحتاج إلى النقض والإبرام ، بخلاف الاصول العمليّة ، فإنّها محلّ البحث وتحتاج إلى النقض والإبرام.
الثاني : أنّ مثل هذه القاعدة مختصّ ببعض أبواب الفقه ـ أي باب الطهارة ـ ، بخلاف الاصول الأربعة ، فإنّها عامّة لجميع أبواب الفقه.
وكان الأولى سوق العبارة هكذا : «فإنّ مثل قاعدة الطهارة ... وإن كان ما ينتهي إليه المجتهد بعد الفحص واليأس عن الظفر بدليل ، إلّا أنّ البحث عن مثله ليس بمهمّ ، حيث كان ثابتا بلا خلاف من دون حاجة إلى النقض والإبرام. بخلاف الاصول الأربعة ... هذا. مع اختصاص مثل تلك القاعدة ببعض أبواب الفقه وجريان الاصول الأربعة في كلّ الأبواب».
(٣) لعلّه إشارة إلى ما في الوجهين :
أمّا الأوّل : فلأنّ كثيرا من القواعد الّتي ينتهي إليها المجتهد في مقام العمل يحتاج إلى النقض والإبرام ، كقاعدة الحلّيّة وقاعدة اليد وقاعدة الفراش وأمثالها ، فإنّ فيها مباحث دقيقة علميّة ، كما لا يخفى.
وأمّا الثاني : فلأنّ الكلام ليس في خصوص ما لا يجري إلّا في باب واحد أو بابين كقاعدة الطهارة وقاعدة الفراغ ، بل الكلام في أمثالها من القواعد الّتي ينتهي إليها المجتهد في مقام العمل. ولا شكّ أنّ كثيرا منها يجري في جميع أبواب الفقه ، كقاعدة لا حرج وقاعدة لا ضرر وقاعدة التقيّة وغيرها.