لو كان الاحتياط واجبا لما كانوا في سعة أصلا ، فيعارض به ما دلّ على وجوبه ، كما لا يخفى (١).
لا يقال : قد علم به (٢) وجوب الاحتياط (٣).
فإنّه يقال : لم يعلم الوجوب أو الحرمة بعد ، فكيف يقع في ضيق الاحتياط من أجله؟ نعم لو كان الاحتياط واجبا نفسيّا كان وقوعهم في ضيقه بعد العلم بوجوبه ؛ لكنّه عرفت أنّ وجوبه كان طريقيّا لأجل أن لا يقعوا في مخالفة الواجب أو الحرام أحيانا (٤) ،
__________________
ـ الثاني : أن تكون كلمة «ما» ظرفيّة ، ويكون لفظ «سعة» منوّنا ، وعليه يكون مفاده : «الناس في سعة ما داموا لا يعلمون».
(١) ظاهر كلام المصنّف رحمهالله أنّ الحديث يدلّ على البراءة على كلا الوجهين ، لأنّه يدلّ على أنّ الناس في سعة وتخفيف من جهة التكليف الواقعيّ الّذي لا يعلمونه ، أو أنّهم في سعة وتخفيف ما داموا لا يعلمون التكليف الواقعيّ. فيعارض أدلّة الاحتياط ، لأنّها تقتضي الضيق حال الجهل.
(٢) أي : بما دلّ على وجوب الاحتياط.
(٣) هذا إيراد من الشيخ الأعظم الأنصاريّ ـ في فرائد الاصول ٢ : ٣٥٨ ـ على الاستدلال بالحديث. وتوضيحه : أنّه لا شكّ في أنّ الموضوع للسعة والبراءة الشرعيّة هو الجهل بالوظيفة الفعليّة ، كما أنّ الموضوع للسعة والبراءة العقليّة هو قبح العقاب بلا بيان. فما دام المكلّف جاهلا بوظيفته الفعليّة فهو في سعة ، وأمّا إذا صار عالما بوظيفته الفعليّة فلا سعة له ، لأنّ العلم بها قاطع لعذره الجهليّ ، ومن المعلوم أنّ أدلّة وجوب الاحتياط يوجب علمه بوظيفته الفعليّة ، وهي الاحتياط ، وإن كان نفس الحكم الواقعيّ باقيا على المجهوليّة. فأدلّة الاحتياط بيان رافع لموضوع قبح العقاب بلا بيان ، وموجب لرفع الجهل بالوظيفة الفعليّة ، فتكون أدلّته واردة على حديث السعة.
وأورد عليه المحقّق النائينيّ بدعوى حكومة أدلّة الاحتياط على حديث السعة ، لأنّ هذا الحديث عامّ يشمل مطلق الشبهة ، وأدلّة الاحتياط تختصّ بالشبهة التحريميّة. أجود التقريرات ٢ : ١٨١.
(٤) توضيح الجواب : أنّ في وجوب الاحتياط وجهين :
الأوّل : أن يكون وجوبه نفسيّا ، بمعنى أنّ فعل محتمل الوجوب بما هو محتمل الوجوب واجب حقيقة لمصلحة فيه حال الجهل بالواقع ، كما أنّ فعل محتمل الحرمة بما هو محتمل الحرمة حرام حقيقة لمفسدة فيه حال الجهل بالواقع ؛ فالتكليف الواقعيّ وإن كان مجهولا ، إلّا أنّ التكليف الفعليّ ـ في ظرف الجهل بالواقعيّ ـ معلوم ، وهو وجوب فعل محتمل الوجوب ـ