وأمّا النحو الثاني : فهو كالجزئيّة والشرطيّة والمانعيّة والقاطعيّة لما هو جزء المكلّف به وشرطه ومانعة وقاطعه (١) ، حيث إنّ اتّصاف شيء بجزئيّة المأمور به أو شرطيّته أو غيرهما لا يكاد يكون إلّا بالأمر بجملة امور مقيّدة بأمر وجوديّ أو عدميّ ، ولا يكاد يتّصف شيء بذلك ـ أي كونه جزءا أو شرطا للمأمور به ـ إلّا بتبع ملاحظة الأمر بما يشتمل عليه مقيّدا بأمر آخر ، وما لم يتعلّق بها الأمر كذلك لما كاد اتّصف (٢) بالجزئيّة أو الشرطيّة ، وإن أنشأ الشارع له الجزئيّة أو الشرطيّة.
وجعل الماهيّة وأجزاءها (٣) ليس إلّا تصوير ما فيه المصلحة المهمّة الموجبة للأمر بها ؛ فتصوّرها بأجزائها وقيودها لا يوجب اتّصاف شيء منها بجزئيّة المأمور به أو شرطيّته (٤) قبل الأمر بها.
فالجزئيّة للمأمور به أو الشرطيّة له إنّما تنتزع لجزئه أو شرطه بملاحظة الأمر به بلا حاجة إلى جعلها له (٥) ؛ وبدون الأمر به لا اتّصاف بها أصلا ، وإن اتّصف بالجزئيّة أو الشرطيّة للمتصوّر أو لذي المصلحة ، كما لا يخفى (٦).
__________________
ـ وذهب السيّد الإمام الخمينيّ إلى أنّ السببيّة من المجعولات الشرعيّة. الرسائل ١ : ١١٨.
(١) كالسورة والطهارة والنجاسة والاستدبار في الصلاة.
(٢) هكذا في النسخ. والأولى أن يقول : «لما كاد أن يتّصف».
(٣) وفي بعض النسخ : «وجعل الماهيّة واختراعها».
(٤) وفي بعض النسخ : «أو شرطه». والصحيح ما أثبتناه.
(٥) أي : بلا حاجة إلى جعل الجزئيّة أو الشرطيّة لذلك الشيء مستقلّا.
(٦) لا يخفى : أنّ أكثر الأعلام وافق المصنّف قدسسره في المقام. ولكنّ المحقّق العراقيّ خالفه في الشرطيّة وإن وافقه في الجزئيّة ، ففرّق بينهما بأنّ الجزئيّة تنتزع من التكليف دون الشرطيّة : أمّا الجزئيّة : فلأنّها تنتزع عن جهة الوحدة ، وهي في المأمور به ليست إلّا الأمر به وكونه متعلّقا له ، فإذا تعلّق الأمر به بذوات أجزائه ينتزع عنه عنوان الجزئيّة لها.
وأمّا الشرطيّة : فلأنّها تنتزع عن تقيّد العمل بالشرط وإضافته له ، ومعلوم أنّ جهة التقيّد والإضافة سابقة عن تعلّق الأمر ، فلا تتوقّف على الأمر ، بل هي معروضة للأمر ، إذ الأمر بالمقيّد فرع أخذ التقيّد في متعلّق الأمر ، وهذا يقتضي سبق التقيّد على الأمر. نعم ، كون الشيء شرطا للمأمور به يتوقّف على الأمر ، لا أنّ أصل شرطيّته متوقّفة على الأمر ، مثلا : إذا ـ