ولا يخفى : أنّ هذا المعنى هو القابل لأن يقع فيه النزاع والخلاف في نفيه وإثباته ـ مطلقا أو في الجملة ـ وفي وجه ثبوته (١) على أقوال ، ضرورة أنّه لو كان الاستصحاب هو نفس بناء العقلاء على البقاء أو الظنّ به الناشئ من العلم بثبوته لما تقابل فيه الأقوال (٢) ، ولما كان النفي والإثبات واردين على مورد واحد ، بل موردين.
وتعريفه بما ينطبق على بعضها (٣) وإن كان ربّما يوهم أن لا يكون هو الحكم
__________________
(١) أي : في مدرك ثبوت الاستصحاب. ضرورة أنّ الخلاف كما يقع في حجّيّة الاستصحاب نفيا وإثباتا كذلك يقع في مدرك حجّيّته وأنّه هل هو بناء العقلاء أو هو الأخبار أو غيرهما.
(٢) إذ القائل بثبوت الاستصحاب قد لا يثبت البناء المذكور ، بل يستدلّ على ثبوته بالأخبار ، والقائل بنفيه قد لا يثبت البناء المذكور ولكن لا يراه حجّة. وكذا القائل بثبوت الاستصحاب قد يقول بعدم حصول الظنّ بالبقاء له ، والقائل بنفيه قد يعترف بحصول الظنّ ولكن يمنع الدليل على حجّيّته.
ولا يخفى : أنّ ما ذكره المصنّف قدسسره في المقام ـ من أنّ للاستصحاب مفهوم واحد قابل لوقوعه معركة الآراء ـ عدول عمّا أفاده في تعليقته على فرائد الاصول ، حيث قال :«لا يخفى : أنّ حقيقة الاستصحاب وماهيّته مختلف بحسب اختلاف وجه حجّيّته ...». درر الفوائد : ٢٨٩.
وذهب السيّدان العلمان ـ الخمينيّ والخوئيّ ـ إلى ما أفاده المصنّف قدسسره في التعليقة ، فصرّحا بعدم إمكان تعريف الاستصحاب بشيء يكون قابلا لأن يكون موردا للنقض والإبرام على جميع المسالك والأقوال ، بل يختلف تعريفه باختلاف المباني. راجع تمام كلامهما في الرسائل (للإمام الخمينيّ) ١ : ٧٠ ـ ٧٢ ، وموسوعة الإمام الخوئيّ (مصباح الاصول) ٤٨ : ٣ ـ ٥.
(٣) أي : بعض الأقوال : ولعلّ مراده من قوله : «ما ينطبق على بعضها» هو التعريف الّذي ذكره الفاضل التونيّ من «أنّه التمسّك بثبوت ما يثبت في وقت أو حال على بقائه» ، فإنّ هذا التعريف إنّما ينطبق على استناد حجّيّة الاستصحاب إلى الظنّ ، لأنّ ظاهر هذا التعريف أنّ نفس الثبوت السابق أمارة على ثبوته في اللاحق ، وهذا أجنبيّ عن الحكم بالبقاء الّذي هو فعل المكلّف. فهذا التعريف يوهم أن لا يكون تعريف الاستصحاب هو الحكم بالبقاء ، بل يكون تعريفه هذا الوجه الّذي ذكره الفاضل التونيّ.
ثمّ أفاد المصنّف قدسسره أنّ ما ذكر من التعاريف للاستصحاب لم يكن بحدّ ولا برسم ، بل من قبيل شرح الاسم ، فتعريفه بما ينطبق على بعضها ـ كتعريفه بما ذكره الفاضل التونيّ ـ لا يدلّ ـ