__________________
ـ وثانيهما : أنّه لا نسلّم اعتراف الأخباريّين بالملازمة بينهما. كيف؟ وأنّ شبهة المعصية دون المعصية المعلومة ، ضرورة أنّ أدلّة وجوب الاحتياط في المشتبهات ليست بأقوى من أدلّة المحرّمات المعلومة ، والأخباريّ القائل باستحقاق العذاب في المعصية المعلومة لا يدّعي الملازمة بين الاستحقاق والفعليّة فيها ، لإمكان تعقّبها التوبة والشفاعة ، فكيف يدّعي الملازمة بينهما في شبهة المعصية؟!
ثمّ أورد على هذا الوجه السيّدان العلمان ـ الإمام الخمينيّ والسيّد الخوئيّ ـ :
أمّا الأوّل : فحاصل ما أفاده : أنّ كون النزاع في خصوص استحقاق العقوبة لا في فعليّتها غير مسلّم ، بل النزاع بين الاصوليّ والأخباريّ إنّما هو في لزوم الاحتياط في الشبهات وعدمه. وبعد ثبوت المؤمّن من قبل الله تعالى لا نرى بأسا في ارتكابها. فرفع العقوبة الفعليّة وحصول المؤمّن من عذاب الله يكفي في إثبات إدّعاء القائل بالبراءة من جواز ارتكاب الشبهات. أنوار الهداية ٢ : ٢٥.
وأمّا الثاني : فأفاد ما حاصله : أنّ الآية تدلّ على أنّ التعذيب قبل البيان ينافي مقامه الأرفع ، وهذا يدلّ على عدم كون العبد مستحقّا للعذاب ، وإلّا فمع فرض استحقاقه لا وجه لكونه منافيا لمقامه تعالى ، بل عدم كون التعذيب لائقا بجنابه تعالى إنّما هو لعدم استحقاق العبد له. فالآية وإن دلّت بالمطابقة على نفي فعليّة العذاب ، إلّا أنّها دلّت على نفى الاستحقاق بالالتزام. مصباح الاصول ٢ : ٢٥٦.
ويمكن أن يقال : إنّ ظاهر الآية الشريفة بعد التأمّل في الآيات المتقدّمة عليها ـ من قوله تعالى : ﴿وَكُلَّ إِنسانٍ أَلْزَمْناهُ طائِرَهُ فِي عُنُقِهِ وَنُخْرِجُ لَهُ يَوْمَ الْقِيامَةِ كِتاباً يَلْقاهُ مَنْشُوراً اقْرَأْ كِتابَكَ كَفى بِنَفْسِكَ الْيَوْمَ عَلَيْكَ حَسِيباً مَنِ اهْتَدى فَإِنَّما يَهْتَدِي لِنَفْسِهِ وَمَنْ ضَلَّ فَإِنَّما يَضِلُّ عَلَيْها وَلا تَزِرُ وازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرى وَما كُنَّا مُعَذِّبِينَ حَتَّى نَبْعَثَ رَسُولاً﴾ الاسراء / ١٣ و ١٤ و ١٥ ـ أنّها نزلت لبيان أنّ العذاب والثواب إنّما يكونان في ما يقتضيه الموازين العقلائيّة والعدالة الإلهيّة ، وليس مقتضاها إلّا تعذيب من يستحقّ العذاب وتثويب من يستحقّ الثواب ، ولذا من اهتدى فإنّما يهتدي لنفسه ، ولا تزر وازرة وزر اخرى ، ولا يعذّب الله بلا إقامة الحجّة وتماميّة التبليغ بإرسال الرسل وإنزال الكتب. فالآية ظاهرة في أنّ نفي العذاب في المقام ناش عن عدم الاستحقاق ، فيصحّ الاستدلال بها على البراءة.
ولعلّ قوله «فافهم» إشارة إلى ما ذكراه أو ما ذكرناه.
الوجه الثاني : ما إفادة الشيخ الأعظم الأنصاريّ وتابعة المحقّق النائينيّ. وحاصله : أنّ الآية إنّما تتكفّل بيان حال الامم السابقة بالنسبة إلى خصوص العذاب الدنيويّ ، فلا ربط ـ