قوله صلىاللهعليهوآله : «إذا أمرتكم بشيء فأتوا منه ما استطعتم» (١) ، وقوله صلىاللهعليهوآله : «الميسور لا يسقط بالمعسور» (٢) ، وقوله عليهالسلام : «ما لا يدرك كلّه لا يترك كلّه» (٣).
ودلالة الأوّل مبنيّة على كون كلمة «من» تبعيضيّة ، لا بيانيّة ، ولا بمعنى الباء (٤) ؛ وظهورها في التبعيض وإن كان ممّا لا يكاد يخفى (٥) ، إلّا أنّ كونه بحسب الأجزاء غير واضح ، لاحتمال أن يكون بلحاظ الأفراد.
ولو سلّم ، فلا محيص عن أنّه هاهنا بهذا اللحاظ يراد ، حيث ورد جوابا عن
__________________
(١) هذا مضمون الرواية ، وقد وردت بألفاظ مختلفة. راجع عوالي اللآلي ٤ : ٥٨ ، الحديث ٢٠٦ ، وبحار الأنوار ٢٢ : ٣١ ، وصحيح مسلم ٤ : ١٠٢ ، وصحيح البخاريّ ٨ : ١٤٢.
(٢) هذا مضمون الرواية. وإليك نصّها : «لا يترك الميسور بالمعسور». عوالي اللآلي ٤ : ٥٨ ، الحديث ٢٠٥.
(٣) عوالي اللآلي ٤ : ٥٨ ، الحديث ٢٠٧.
(٤) وقد ذكر المحقّق النراقيّ لمعنى كلمة «من» في قوله صلىاللهعليهوآله : «فأتوا منه ...» احتمالات أربعة :
الأوّل : أن تكون كلمة «من» للتبعيض ، ويكون «منه» مفعولا لقوله صلىاللهعليهوآله : «فأتوا». ويكون المعنى : فأتوا بعضه ، البعض الّذي استطعتم.
الثاني : أن تكون كلمة «من» للتبعيض ، ويكون المفعول قوله صلىاللهعليهوآله : «ما استطعتم». فيكون المعنى : فأتوا ما استطعتم حال كونه بعضه.
الثالث : أن تكون كلمة «من» مرادفة للباء. فيكون المعنى : فأتوا به ما دامت استطاعتكم.
الرابع : أن تكون كلمة «من» بيانيّة ، بأن تكون بيانا للمأتي أو للموصول. وعليه يكون المعنى : فأتوا ما استطعتم منه بعضا أو كلّا.
ثمّ أفاد أنّ دلالة الحديث على المقام مبتنية على الاحتمالين الأوّلين أو الشقّ الثاني من الأخير ، وهو غير معلوم. راجع عوائد الأيام : ٢٦٢ ـ ٢٦٥.
(٥) كما أنّ الشيخ الأعظم أوضح دلالتها على المدّعى ، ودفع الاحتمال الثالث والشقّ الأوّل من الاحتمال الأخير ، وبنى على ظهور لفظ «من» في التبعيض. فرائد الاصول ٢ : ٣٩٠.
وقد أفاد المحقّق الاصفهاني تقريبا لكلام الشيخ الأنصاريّ ما حاصله : أنّه لا معنى لكون «من» بيانيّة ، لأنّ مدخولها ـ وهو الضمير ـ لا يصلح لأن يكون بيانا للشيء ، فإنّ الضمير مبهم. وأمّا كونها بمعنى الباء فالّذي يوهمه أنّ الإتيان لا يتعدّى بنفسه وانّما يتعدّى بالباء ؛ ولكن الأمر ليس كذلك ، إذ الإتيان قد يتعدّى بنفسه ، كقوله تعالى : ﴿وَلا يَأْتُونَ الْبَأْسَ إِلَّا قَلِيلاً﴾ ـ الأحزاب / ١٨ ـ ، وقد يتعدّى بالباء ، كقوله تعالى : ﴿يَأْتِينَ بِفاحِشَةٍ مُبَيِّنَةٍ﴾ ـ النساء / ١٩ ـ. نهاية الدراية ٢ : ٧٠٢.