الرّدع والزّجر ، لا معنى لها عندهم إلا ذلك ، حتّى إنهم يجيزون أبداً الوقف عليها ، والابتداء بما بعدها.
ورأى الكسائي وأبو حاتم ومن وافقهما أنَّ معنى الرّدع والزَّجر ليس مستمراً فيها ، فزادوا فيها معنى ثانياً يصح عليه أن يوقف دونها ويبتدء بها ؛ ثم اختلفوا في تعيين ذلك المعنى على ثلاثة أقوال :
أحدها : للكسائي ومتابعيه ، قالوا : تكون بمعنى «حقّاً».
الثاني : لأبي حاتم ومتابعيه ، قالوا : تكون بمعنى «ألا» الاستفتاحية.
الثالث : للنضربن شميل والفراء ومن وافقهما ، قالوا : تكون حرف جواب بمنزلة «إي ونعم» وحملوا عليه ﴿كلاّ والقمر﴾ (المدثر/٣٢) ، فقالوا : معناه إي والقمر.
وقول أبي حاتم أوْلى من قولهما؛ لأنه أكثر اطّراداً؛ فإنَّ قول النضر لا يتأتى في آيتي المؤمنين والشعراء على ما سيأتي ، وقول الكسائي لا يتأتى في نحو : ﴿كَلاّ إنّ كِتابَ الأبرار﴾ (المطففين/١٨) ؛ لأنّ «انّ» تكسر بعد «ألا» الاستفتاحية ، ولاتكسر بعد «حقاً» ولا بعد ما كان بمعناها.
وإذا صلح الموضع للردع ولغيره جاز الوقف عليها والابتداء على اختلاف التقديرين ، والأرجح حملُها على الردع؛ لأنه الغالب فيها ، وذلك نحو : ﴿وَاتّخَذُوا مِنْ دُونِ الله آلِهَةً لِيَكُونُوا لَهُمْ عِزّاً ، كَلاّ سَيَكْفُرُونَ بِعِبادَتِهِم﴾ (مريم / ٨١ و ٨٢).
وقد تتعين للردع أو الاستفتاح ، نحو : ﴿رَبّ ارجِعُونِ لَعَلّي أَعْمَلُ صالِحاً فِيما تَرَكْتُ كَلاّ إنّها كَلِمَةٌ﴾ (المؤمنون/٩٩ و ١٠٠)؛ لأنها لو كانت بمعنى «حقّاً» لما كسرت همزة «انّ» ولو كانت بمعنى «نعم» لكانت للوعد بالرجوع؛ لأنها بعد الطلب كما يقال : «أكرم فلاناً» فتقول : «نعم» ونحو : ﴿قالَ أصْحابُ مُوسى إنّا لَمُدْرَكُونَ قالَ كَلاّ إنَّ مَعِي ربي سَيَهْدِينِ﴾ (الشعراء / ٦١ و ٦٢) ، وذلك لكسر «انّ» ولأن «نعم» بعد