__________________
ـ حاصل التوهّم : أنّ البراءة لا تجري في الشبهة التحريميّة الموضوعيّة ، لأنّ الشكّ فيها ليس شكّا في التكليف كي تجري فيها قاعدة قبح العقاب بلا بيان أو يرجع إلى حديث الرفع ، ضرورة أنّ وظيفة الشارع ـ بما هو شارع ـ جعل الحكم بنحو الكلّيّ ، بأن يقول : «الخمر حرام ، والخلّ حلال». ومن المعلوم أنّه جعل الحكم بهذا النحو وبيّنه ووصل إلى المكلّف ، وانّما الشكّ في التطبيق وأنّ هذا المائع الخارجيّ هل يكون ممّا ينطبق عليه متعلّق الحرمة ـ أي : الخمر ـ أم لا؟ وإزالة هذا الشكّ ليس من وظيفة الشارع الأقدس ، بل إزالته على عهدة المكلّف نفسه. وحينئذ فاشتغال ذمّة المكلّف بالاجتناب عن الخمر يقينيّ ، والاشتغال اليقينيّ يقتضي البراءة اليقينيّة ، وهي تحصل بالاحتياط والاجتناب عن المائع المردّد من باب المقدّمة العلميّة.
وحاصل الجواب : أنّ مجرّد العلم بجعل الحكم بنحو الكلّي ـ مثل : «الخمر حرام» ـ غير كاف في تنجّز التكليف على المكلّف ، بل الملاك في التنجّز ـ الّذي يمنع من جريان قاعدة القبح بلا بيان ـ هو العلم بحرمة الأفراد تفصيلا ـ كالعلم بأنّ هذا المائع الخارجيّ خمر حقيقة ـ أو إجمالا ـ كأن يعلم بأنّ أحد هذين الإنائين خمر ـ ، وأمّا الفرد المشتبه بالشبهة البدويّة ـ كما نحن فيه ـ فلا علم بحكمه ، لا تفصيلا ولا إجمالا ، فلا يكون التكليف بالنسبة إليه منجّزا. وعليه فلو ارتكبه المكلّف وصادف كونه خمرا واقعا فهو معذور ، لجريان قاعدة قبح العقاب بلا بيان. هذا ما أفاده الشيخ الأعظم الأنصاريّ في فرائد الاصول ٢ : ١١٩ و ١٢١ ـ ١٢٢.
وأمّا المصنّف قدسسره : فمنع إطلاق كلام الشيخ وذهب إلى التفصيل بين ما إذا تعلّق النهي بترك الطبيعة رأسا في أيّ زمان أو مكان ، بحيث لو وجد فرد واحد منها في ذلك الزمان أو المكان لما حصل الامتثال أصلا ، وبين ما إذا تعلّق النهي بوجودات الطبيعة ، بحيث كان كلّ فرد من أفراد الموضوع محكوما بحكم واحد مستقلّ.
فعلى الأوّل : يكون الشكّ في محصّل الفعل الّذي تعلّق النهي بتركه رأسا معلوم ، فاشتغال الذمّة بالترك رأسا يقينيّ ، وهو يقتضي الفراغ اليقينيّ ، وهو لا يحصل إلّا بترك كلّ فرد يحتمل انطباق الفعل عليه.
نعم ، إذا كانت طبيعة الفعل مسبوقة بالترك مع الإتيان بذلك الفرد ، فيستصحب تركها مع الإتيان بذلك الفرد بالفعل. توضيحه : أنّه إذا كان ذلك الشيء المأتي به المشكوك الفرديّة مسبوقا بعدم الفرديّة ، فشكّ في أنّه صار فردا لطبيعة الفعل كي يكون الإتيان به موجبا لانتقاض ترك الطبيعة بالفعل أو كان باقيا على حالته السابقة فلا يكون فردا لها ولا الإتيان به موجبا لانتقاض ترك الطبيعة بالفعل ، فحينئذ يستصحب عدم فرديّته بالفعل ، ويحكم ببقاء الترك مع الإتيان بذلك الفرد. ـ