أصحابه من يفتي الناس بالحلال والحرام (١).
لا يقال : إنّ مجرّد إظهار الفتوى للغير لا يدلّ على جواز أخذه واتّباعه.
فإنّه يقال : إنّ الملازمة العرفيّة بين جواز الإفتاء وجواز اتّباعه واضحة ، وهذا غير وجوب إظهار الحقّ والواقع ، حيث لا ملازمة بينه وبين وجوب أخذه تعبّدا ، فافهم وتأمّل.
وهذه الأخبار على اختلاف مضامينها وتعدّد أسانيدها لا يبعد دعوى القطع بصدور بعضها ، فيكون دليلا قاطعا على جواز التقليد ، وإن لم يكن كلّ واحد منها بحجّة ؛ فيكون مخصّصا لما دلّ على عدم جواز اتّباع غير العلم والذمّ على التقليد من الآيات والروايات ، قال الله تبارك وتعالى : ﴿وَلا تَقْفُ ما لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ﴾ (٢) ، وقوله تعالى : ﴿إِنَّا وَجَدْنا آباءَنا عَلى أُمَّةٍ وَإِنَّا عَلى آثارِهِمْ
__________________
ـ صفات القاضي ، الحديث ٢.
ومنها : خبر إسماعيل بن أبي زياد عن أبي عبد الله عن أبيه عليهماالسلام ، قال : «قال رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم : من أفتى الناس بغير علم لعنته ملائكة السماء والأرض». وسائل الشيعة ١٨ : ١٦ ، الباب ٤ من أبواب صفات القاضي ، الحديث ٣٢.
والوجه في دلالتها على جواز الإفتاء مفهوما أنّ هذه الروايات تتضمّن معنى الشرط ، فإنّها تدلّ بالمنطوق على عدم جواز الإفتاء والعمل به إذا كان المفتي غير عالم ، فتدلّ بمفهومها على انتفاء عدم الجواز بانتفاء شرطه ـ وهو كون المفتى غير عالم ـ ، فيستفاد منها جواز الإفتاء والعمل به إذا كان المفتي عالما.
(١) منها : ما في رجال النجاشي في ترجمة أبان بن تغلب من قوله : وقال أبو جعفر عليهالسلام : «اجلس في مسجد المدينة وافت الناس ، فإنّي احبّ أن يرى في شيعتي مثلك». رجال النجاشي : ١٠.
ومنها : ما رواه عبد السلام بن صالح الهرويّ ، قال : سمعت الرضا عليهالسلام يقول : «رحم الله عبدا أحيا أمرنا». فقلت : وكيف يحيى أمركم؟ قال عليهالسلام : «يتعلّم علومنا ويعلّمها الناس». وسائل الشيعة ١٨ : ١٠٢ ، الباب ١١ من أبواب صفات القاضي ، الحديث ١١.
ودلالة هذه الطائفة على جواز الإفتاء واضحة ، فإنّ إظهار المحبّة للإفتاء ودعاءه لمن أحيا أمرهم دليل على مطلوبيّة التعليم ممّن كان عالما بالأحكام ، وهذا يدلّ على لزوم قبول قول العالم ، وإلّا يلزم لغويّة مطلوبيّة التعلّم.
(٢) الإسراء / ٣٦.