لحكمه ، كما إذا كان مخصّصا له من الأوّل لما ضرّ به في غير مورد دلالته ، فيكون أوّل زمان استمرار حكمه بعد زمان دلالته (١) ؛ فيصحّ التمسّك ب ﴿أَوْفُوا بِالْعُقُودِ﴾ (٢) ولو خصّص بخيار المجلس ونحوه (٣) ، ولا يصحّ التمسّك به فيما إذا خصّص بخيار لا في أوّله (٤) ، فافهم (٥).
__________________
ـ زيدا النحويّ في هذا اليوم».
ثالثها : بعد الزمان الّذي دلّ الخاصّ على تخصيصه بالقطع ، وهو يوم الجمعة.
إذا عرفت هذا فاعلم أنّ مورد النزاع هو إكرام زيد في يوم الجمعة ، وهو المراد من غير مورد دلالة حكم الخاصّ ، فأفاد المصنّف رحمهالله أنّه إن كان الزمان في العامّ والخاصّ ظرفا لاستمرار الحكم فيهما فلا محيص عن استصحاب حكم الخاصّ ـ أي حرمة إكرام زيد النحويّ ـ في يوم الجمعة ، لأنّ المفروض عدم كون الزمان في العامّ مفرّدا كي يكون زيد النحويّ بعد زمان التخصيص ـ أي بعد يوم الخميس ـ فردا مستقلّا للعامّ ، بل ينقطع استمرار حكم العامّ ـ وهو وجوب إكرام العلماء ـ الشامل لزيد النحويّ بالدليل الخاصّ الّذي صدر يوم الخميس ، فإنّ الدليل الخاصّ يدلّ على ثبوت حكم الخاصّ ـ وهو حرمة الإكرام ـ في الزمان السابق على زمان الشكّ في ثبوت حكم الخاصّ أو العامّ ، من دون أن يدلّ على ثبوت حكم الخاصّ في الزمان اللاحق ـ أي يوم الجمعة ـ الّذي شكّ فيه في ثبوت حكم الخاصّ أو العامّ.
وبالجملة : فالعامّ يدلّ على وجوب الإكرام واستمراره إلى ما لم ينقطع بقاطع ، والمفروض أنّ الخاصّ الصادر في يوم الخميس قاطع لحكمه ؛ فهو يدلّ ـ في المثال ـ على وجوب إكرام زيد إلى آخر يوم الأربعاء ؛ والخاصّ يدلّ على حرمة إكرام زيد في يوم الخميس فقط ؛ وأمّا بالنسبة إلى بعد يوم الخميس ـ أي يوم الجمعة ـ فلا دلالة له ، فيشكّ في استمرار حكم الخاصّ ـ بعد العلم بانقطاع استمرار حكم العامّ ـ إلى يوم الجمعة ، فيستصحب بقاء حكم الخاصّ.
(١) الضمير في قوليه : «غير مورد دلالته» و «بعد زمان دلالته» يرجع إلى الخاصّ. والضمير في «حكمه» يرجع إلى العامّ.
(٢) المائدة / ١.
(٣) كخيار الحيوان.
(٤) كتخصيصه بخيار التأخير ، فإذا باع شيئا ولم يقبض تمام الثمن ولم يسلّم المبيع إلى المشتري فحينئذ يلزم البيع ثلاثة أيّام ، فإن جاء المشتري بالثمن فهو أحقّ بالسلعة ، وإلّا فللبائع فسخ البيع ، وبعد انقطاع اللزوم لا يصحّ التمسّك بعد الثلاثة ب «أوفوا بالعقود» ، لانقطاع حكمه.
(٥) لعلّه إشارة إلى ما أفاد أكثر المتأخّرين من عدم الفرق بين تخصيص العامّ من الأوّل وبين تخصيصه في الأثناء ، بل يجوز التمسّك بالعامّ مطلقا. وستأتي الإشارة إلى ما أفادوه في التعليقة (١) من الصفحة : ٢٧٠.