ربما يقع الإشكال والكلام فيما إذا خصّص في زمان في أنّ المورد بعد هذا الزمان مورد الاستصحاب أو التمسّك بالعامّ (١).
والتحقيق أن يقال : إنّ مفاد العامّ تارة يكون ـ بملاحظة الزمان (٢) ـ ثبوت حكمه لموضوعه على نحو الاستمرار والدوام ، واخرى على نحو جعل كلّ يوم من الأيّام فردا لموضوع ذاك العامّ. وكذلك مفاد مخصّصه تارة يكون على نحو اخذ الزمان ظرف استمرار حكمه ودوامه ، واخرى على نحو يكون مفرّدا ومأخوذا في موضوعه (٣).
__________________
(١) والحاصل : أنّ النزاع والخلاف إنّما هو في الصغرى بعد الاتّفاق على الكبرى. وتوضيحه : أنّ البحث في المقام ليس من جهة التعارض بين العموم والاستصحاب ، فإنّ الاستصحاب أصل عمليّ لا مجال للرجوع إليه مع وجود الدليل من عموم وإطلاق ، فعدم جريان الاستصحاب مع وجود دلالة مثل العامّ متّفق عليه. وإنّما البحث في تعيين موارد الرجوع إلى العموم وتمييزها عن موارد التمسّك بالاستصحاب ، فيبحث عمّا إذا ورد ما يكون عامّا من حيث الزمان ، ثمّ خرج عنه بعض أفراده في بعض الأزمنة ، فشكّ بعد انقضاء ذلك الزمان الخاصّ في حكم الفرد الخاصّ ، فهل يكون هذا الفرد بعد ذاك الزمان من موارد الرجوع إلى العامّ أو يكون من موارد الاستصحاب؟ مثلا : ورد قوله تعالى : ﴿أَنَّما غَنِمْتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَأَنَّ لِلَّهِ خُمُسَهُ﴾ [الأنفال / ٤١] ، وهو يدلّ على وجوب الخمس في كلّ فائدة ـ بناء على أنّ المراد من الغنيمة مطلق الفائدة ، كما هو الحقّ ـ ، ثمّ ورد قوله عليهالسلام : «الخمس بعد المئونة». فإذا صارت الفائدة مئونة للشخص ولعياله تخرج من عموم وجوب الخمس. إنّما الكلام فيما إذا خرجت عن كونه مئونة لعدم حاجة الشخص إليه ، فهل تكون من موارد الرجوع إلى عموم العامّ فيجب تخميسه ، أو تكون من موارد استصحاب حكم المخصّص؟
مثال آخر : أنّه ورد قوله تعالى : ﴿أَوْفُوا بِالْعُقُودِ﴾ [المائدة / ١] ، وهو يدلّ على لزوم كلّ عقد مستمرّا. ثمّ ورد قوله عليهالسلام : «المغبون له الخيار» ، فخصّص البيع الغبنيّ ، فإذا شكّ في أنّ خروجه عن العموم في خصوص خروجه حين العلم بالغبن وظهوره أو في جميع الأزمنة فهل يرجع إلى عموم العامّ أو يرجع إلى استصحاب حكم المخصّص؟
(٢) أي : بملاحظة الزمان الّذي يقع فيه العامّ لا محالة.
(٣) توضيح ما أفاده : أنّ الزمان أو المكان قد يؤخذ في موضوع الحكم على نحو الظرفيّة والاستمرار من دون أن يكون للزمان أو المكان دخلا في الحكم ، فيلحظ الزمان قطعة واحدة لاستمرار الحكم الواحد الثابت لأفراد العامّ ، مثلا يقول المولى : «أكرم العلماء من هذا اليوم ـ