فلا وجه للإشكال في الاستدلال على البراءة باستصحاب البراءة من التكليف وعدم المنع عن الفعل بما في الرسالة من : «أنّ عدم استحقاق العقاب في الآخرة ليس من اللوازم المجعولة الشرعيّة» (١) ، فإنّ عدم استحقاق العقوبة وإن كان غير مجعول ، إلّا أنّه لا حاجة إلى ترتيب أثر مجعول في استصحاب عدم المنع ، وترتّب عدم الاستحقاق مع كونه عقليّا على استصحابه إنّما هو لكونه لازم مطلق عدم المنع ولو في الظاهر ، فتأمّل (٢).

__________________

(١) فرائد الاصول ٢ : ٥٩ ـ ٦٠.

(٢) لا يخفى عليك : إنّ الإشكال المذكور انّما يرد على الشيخ الأعظم إذا كان منعه عن الاستدلال بالاستصحاب للبراءة مبنيّا على عدم جريان الاستصحاب في العدميّ ، فيشكل عليه بأنّ عدم التكليف أيضا مجعول ، فإنّه مما تناله يد التشريع.

ولكن الظاهر أنّه ليس مبنيّا عليه ، كيف وقد ذكر القول بالتفصيل بين الوجوديّ والعدميّ ، ثمّ ردّه بعدم الفرق بينهما من حيث شمول أدلّة الاستصحاب ، راجع فرائد الاصول ٣ : ٢٧ ـ ٣١ ؛ ويظهر من كلامه في كتاب أحكام الخلل في الصلاة : ٣٣ أنّه التزم بجريان الاستصحاب في عدم التكليف ، بل هو صريح كلامه في فرائد الاصول ٣ : ٤٠ و ٢١٦ ؛ بل يكون منعه عن استصحاب البراءة مبنيّا على أنّ بعد جريان الاستصحاب إمّا أن يحتمل العقاب فلا بدّ في الحكم بالبراءة من الرجوع إلى قاعدة قبح العقاب بلا بيان ، فلتكن هي المرجع من أوّل الأمر ، والرجوع إلى الاستصحاب لغو ؛ وإمّا أن لا يحتمل العقاب مستندا بأنّ الاستصحاب يوجب القطع بعدم استحقاقه ، وهذا غير صحيح ، لأنّ عدم استحقاق العقاب ليس من الأحكام المجعولة الشرعيّة كي يصحّ ترتّبه على الاستصحاب ، بل هو من الأحكام العقليّة ، فلا يترتّب على الاستصحاب المزبور.

وبالجملة : إنّ المستفاد من كلام الشيخ في فرائد الاصول أنّه منع عن استصحاب البراءة مستدلّا بعدم جريان الاستصحاب في الحكم العقليّ ، لا مستدلّا بعدم جريانه في الحكم العدميّ. والإشكال الّذي ذكره المصنّف قدس‌سره انّما يرد عليه إذا كان منعه عن ذلك مستندا إلى عدم جريانه في الحكم العدميّ ، وهو كما ترى.

ويؤيّده ما ذكر في موضع آخر من قوله : «وممّا ذكرنا من عدم جريان الاستصحاب في الحكم العقليّ يظهر ما في تمسّك بعضهم لإجزاء ما فعله الناسي لجزء من العبادة أو شرطها باستصحاب عدم التكليف الثابت حال النسيان». فرائد الاصول ٣ : ٢١٨.

نعم ، صرّح الشيخ في بعض رسائله الفقهيّة بأنّ حكم الشارع بالعدم ليس من قبيل الحكم ـ

۴۴۳۱