وممّا ذكرنا في المقام يظهر أيضا حال الاستصحاب في متعلّقات الأحكام في الشبهات الحكميّة والموضوعيّة (١) ، فلا تغفل.

__________________

ـ منها ، ثمّ رأينا المني ، ولكن نحتمل أن يكون هذا المني من الجنابة الّتي اغتسلنا منها وأن يكون من غيرها». مصباح الاصول ٣ : ١٠٣ ـ ١٠٤ و ١١٨ ـ ١١٩.

ولا يخفى : أنّ الفرق بين هذا القسم والقسم الأوّل واضح.

والفرق بينه وبين القسم الثاني أنّه ليس هناك شكّ في بقاء ما حدث ، لأنّ أحد الفردين المحتملين مشكوك الحدوث من الابتداء وأحدهما الآخر مقطوع الارتفاع ؛ بخلاف هذا القسم ، حيث أنّ ما علمنا بحدوثه محتمل البقاء ، ولا علم بارتفاعه.

والفرق بينه وبين القسم الثالث أنّ هناك يعلم بزوال ما حدث قطعا ، ويشكّ في قيام فرد آخر مقامه ؛ وأمّا في هذا القسم فلا علم له بارتفاع ما حدث ، بل يحتمل بقاء ما علم بتحقّقه كما يحتمل ارتفاعه.

ذهب السيّد المحقّق الخوئيّ إلى استصحاب بقاء الطبيعيّ المحتمل انطباقه على الفردين ، فحكم بوجوب غسل الجنابة على من علم أنّ هذا المني منه وشكّ في أنّه من جنابة سابقة اغتسل منها أو جنابة اخرى لم يغتسل لها. راجع مصباح الاصول ٣ : ١٠٣ ـ ١٠٤ ، موسوعة الإمام الخوئيّ (كتاب الطهارة) ٦ : ٢٧٠ ـ ٢٧١.

وظاهر أكثر الفقهاء عدم جريان الاستصحاب في المقام ، حيث حكموا بعدم وجوب الغسل عليه. راجع جواهر الكلام ٣ : ١٨ ـ ١٩ ، العروة الوثقى ١ : ٥٠١ ، مستمسك العروة ٣ :٢٥ ، تحرير الوسيلة ١ : ٣٧.

وذهب المحقّق الهمدانيّ إلى التفصيل بين ما إذا علم بوجود فردين وشكّ في تعاقبهما وعدمه ، وبين ما إذا لم يعلم به ، بل علم بوجود عنوانين يحتمل انطباقهما على فردين أو على فرد واحد ، فيجري الاستصحاب في الأوّل دون الثاني. مصباح الفقيه ١ : ٢٢٣.

(١) توضيحه : أنّ الشكّ في بقاء متعلّقات الأحكام على نحوين :

الأوّل : أن يشكّ في بقاء متعلّق الحكم ويكون منشأ الشكّ شبهة حكميّة ، كما إذا كان زيد مسافرا ، وبعد المراجعة يشكّ في بقاء سفره عند مشاهدة الجدران ، لأجل أنّه لم يعلم أنّ الشارع حكم بانتهاء السفر بمجرّد مشاهدة الجدران أو حكم ببقائه إلى سماع الأذان ، فيشكّ في متعلّق القصر ـ وهو السفر ـ وأنّه هل يكون القصير الّذي ينتهي بمشاهدة الجدران أو هو الطويل الّذي يبقى إلى سماع الأذان ، فيكون من القسم الثالث من استصحاب الكلّيّ ، فلا يجري فيه الاستصحاب.

الثاني : أن يشكّ في بقاء متعلّق الحكم ويكون منشأ الشكّ شبهة موضوعيّة ، كما إذا علم ـ

۴۴۳۱