وقد صار بعض الفحول (١) بصدد بيان إمكان كون المأتيّ في غير موضعه مأمورا به بنحو الترتّب (٢).
__________________
ـ المأتي به صحيحا لأجل استيفاء ذلك المقدار من المصلحة ، وإن لم يكن مأمورا به لعدم اشتماله على تمام المصلحة الملزمة.
وأورد عليه المحقّق النائينيّ بما حاصله : أنّ المصلحة الملزمة القائمة بإتيان المأمور به التامّ ـ وهو الصلاة قصرا في المثال المزبور ـ إن كانت هي الغرض الداعي إلى جعل الواجب فلا وجه لسقوطها بإتيان ما يكون فاقدا لتلك المرتبة من المصلحة ـ أي الصلاة تماما ـ ، خصوصا مع إمكان استيفاء تمام المصلحة بإعادته في الوقت.
ودعوى عدم القدرة على استيفاء تمام المصلحة بعد استيفاء معظمها بالمأتي به واضحة الفساد ، لعدم الشكّ في قدرة المكلّف على إتيان الصلاة قصرا ـ القائمة بها المصلحة التامّة ـ ، ولا يعتبر في استيفاء المصلحة سوى القدرة على فعل متعلّقها ، وهو حاصل بالوجدان.
وإن لم تكن المصلحة الملزمة القائمة بإتيان المأمور به داعية إلى جعل الواجب ، فاللازم الحكم بالتخيير بين القصر والتمام ، غايته كون القصر ـ في المثال المزبور ـ أفضل الفردين ، فلا وجه لاستحقاق العقاب. فوائد الاصول ٤ : ١٠٢.
وأجاب عنه السيّد الإمام الخمينيّ بما حاصله : أنّ المصلحة التامّة القائمة على المأمور به التامّ لازمة الاستيفاء ، ولكن لا دخالة لها في حصول المصلحة القائمة بالمأتي به الناقص ، فيستوفى المصلحة القائمة بالناقص بالإتيان به فاقدا للباقي من المصلحة اللازمة الاستيفاء بحسب الغرض الأكمل ، ومع الإتيان بالناقص وتحصيل المصلحة القائمة به تكون المصلحة القائمة بالمأمور به التامّ غير ممكنة الاستيفاء ، للتضادّ الواقع بين المصلحتين ، أو لعدم إمكان استيفائها إلّا في ضمن المجموع ، فلا تقدر المكلّف على استيفاء المصلحة الزائدة بعد الإتيان بالناقص. أنوار الهداية ٢ : ٤٣٤.
(١) وهو كاشف الغطاء في كشف الغطاء : ٢٦ ـ ٢٧.
(٢) وحاصل ما أفاده من الترتّب : أنّ المأتي به ـ كالصلاة جهرا في موضع الإخفات ـ يتعلّق به الأمر بشرط العزم على عصيان الأمر بالصلاة إخفاتا بنحو الشرط المتأخّر.
واستشكل عليه : تارة بعدم معقوليّة الترتّب ـ كما في فرائد الاصول ٢ : ٤٤٠ ـ ، واخرى بوجوه أخر ذكرها المحقّق النائينيّ ، وتعرّض لها السيّدان العلمان ـ الإمام الخمينيّ والسيّد الخوئيّ ـ ثمّ ناقشا فيها. بل قد يذكر في المقام وجوها أخر في مقام التفصيّ عن الإشكال المذكور. تركناها مخافة التطويل. وإن شئت الاطّلاع عليها فراجع فرائد الاصول ٢ : ٤٣٨ ، فوائد الاصول ٤ : ٢٨٩ ـ ٣٠١ ، نهاية الأفكار ٣ : ٤٨٧ ، أنوار الهداية ٢ : ٤٣١ ـ ٤٤٠ ، مصباح الاصول ٢ : ٥٠٦ ـ ٥١٠.