في أنّ المؤاخذة والاحتجاج بترك التعلّم فيما لم يعلم ، لا بترك العمل فيما علم وجوبه ولو إجمالا ، فلا مجال للتوفيق بحمل هذه الأخبار على ما إذا علم إجمالا (١) ، فافهم (٢).
__________________
(١) توضيح الاستدلال بالآيات والأخبار المذكورة على وجوب الفحص متوقّف على تقديم مقدّمة :
وهي : أنّ في مفاد الآيات والأخبار الدالّة على وجوب التعلّم والمؤاخذة على تركه وجهان :
الأوّل : أن يكون مفادها وجوب التعلّم والفحص فيما إذا لم نعلم بوجوب العمل أصلا ، بل شككنا في حكمه وكانت الشبهة بدويّة. فتدل الآيات والأخبار على توجّه العقاب والمؤاخذة إليه بترك التعلّم فيما لم يعلم.
الثاني : أن يكون مفادها وجوب التعلّم والفحص فيما إذا علمنا بوجوب العمل إجمالا ، فتدلّ الآيات والأخبار على توجّه العقاب والمؤاخذة إليه بترك العمل الّذي علم إجمالا بوجوبه.
إذا عرفت هذه ، فاعلم أنّما يصحّ الاستدلال بالآيات والأخبار على وجوب الفحص في مورد البراءة النقليّة على الوجه الأوّل ، بأن يقال : إنّ مورد الآيات والأخبار الدالّة على وجوب الفحص والتعلّم والمؤاخذة على تركهما هو الشبهات البدويّة الّتي لا علم فيها للمكلّف بالحكم أصلا ، كما أنّ مورد أخبار البراءة هو الشبهات البدويّة أيضا ؛ فتدلّ أدلّة البراءة على نفي التكليف وعدم المؤاخذة في الشبهات البدويّة مطلقا ، سواء فحص عن التكليف أو لم يفحص عنه ؛ وتدلّ الآيات والأخبار المذكورة في المقام على نفي التكليف وعدم المؤاخذة في خصوص ما إذا فحص المكلّف من التكليف ولم يظفر به ؛ فتكون النسبة بين أدلّة البراءة وبين الآيات والأخبار نسبة المطلق إلى المقيّد ، فيقيّد بها إطلاق أدلّة البراءة.
وأمّا على الوجه الثاني : فلا يصحّ الاستدلال بالآيات والأخبار على وجوب الفحص في مورد البراءة النقليّة ، وهو الشبهات البدويّة ، فإنّ عليه يكون مورد الآيات والأخبار ما إذا علمنا وجوب العمل إجمالا ؛ بخلاف مورد أدلّة البراءة ، فإنّ موردها الشبهات البدويّة وعدم العلم بالتكليف أصلا ولو إجمالا ، وعليه تكون النسبة بين الآيات والأخبار وبين أدلّة البراءة نسبة التباين ، فلا موجب لتقييد إطلاق أدلّة البراءة بالآيات والأخبار ، بل تدلّ أدلّة البراءة على نفي التكليف وعدم المؤاخذة في الشبهات البدويّة مطلقا ، لا في خصوص ما إذا فحص عن التكليف.
والمصنّف قدسسره ذهب إلى الوجه الأوّل ، فقال : «فيقيّد بها أخبار البراءة ، لقوّة ظهورها في أنّ المؤاخذة والاحتجاج بترك التعلّم فيما لم يعلم». والوجه في قوّة ظهورها فيه أنّ موضوع الآيات وأكثر الأخبار هو نفس التعلّم والتفقّه ، دون العمل.
وأشار إلى الوجه الثاني وعدم صحّة الاستدلال بها على هذا الوجه بقوله : «لا بترك العمل فيما علم وجوبه ولو إجمالا ، فلا مجال للتوفيق بحمل هذه الأخبار على ما إذا علم إجمالا».
(٢) لعلّه إشارة إلى ما أفاد المحقّق الأصفهانيّ من أنّه يمكن أن يكون مورد الآيات والروايات ـ