بمرتبتها الإنشائيّة أثر أصلا ، وإلّا لم يكن لتلك الدلالة مجال ، كما لا يخفى.

وأخرى ، بأنّه كيف يكون التوفيق بذلك ، مع احتمال أحكام فعليّة بعثيّة أو زجريّة في موارد الطرق والاصول العمليّة المتكفّلة لأحكام فعليّة؟ ضرورة أنّه كما لا يمكن القطع بثبوت المتنافيين ، كذلك لا يمكن احتماله.

فلا يصحّ التوفيق بين الحكمين بالتزام كون الحكم الواقعيّ الّذي يكون مورد الطرق إنشائيّا غير فعليّ.

كما لا يصحّ (١) بأنّ الحكمين ليسا في مرتبة واحدة ، بل في مرتبتين ، ضرورة تأخّر الحكم الظاهريّ عن الواقعيّ بمرتبتين. وذلك لا يكاد يجدي ، فإنّ الظاهريّ وإن لم يكن في تمام مراتب الواقعيّ ، إلّا أنّه يكون في مرتبته أيضا (٢) ، وعلى تقدير المنافاة لزم اجتماع المتنافيين في هذه المرتبة.

فتأمّل فيما ذكرنا من التحقيق في التوفيق ، فإنّه دقيق وبالتأمّل حقيق (٣).

[ثالثها : تأسيس الأصل في المسألة]

ثالثها : أنّ الأصل فيما لا يعلم اعتباره بالخصوص (٤) شرعا ولا يحرز التعبّد به

__________________

(١) إشارة إلى الوجه الخامس من وجوه الجمع بين الحكم الواقعيّ والظاهريّ. وتوضيحه : أنّ الحكمين ليسا في مرتبة واحدة كي يلزم اجتماع المتنافيين ، بل يكون الحكم الظاهريّ متأخّرا عن الحكم الواقعيّ ، فإنّ موضوع الحكم الواقعيّ هو نفس الشيء بما هو شيء ، وموضوع الحكم الظاهريّ هو الشيء الذي قد شكّ في حكمه الواقعيّ ، فيكون الحكم الظاهريّ متأخّرا عن الحكم الواقعيّ. بمرتبتين : (إحداهما) تأخّره عن موضوع الحكم الواقعيّ. (ثانيتهما) تأخّر موضوعه ـ وهو الشكّ ـ عن الحكم الواقعيّ. وإذا تعدّدت مرتبتهما فلا محذور من اجتماع الحكمين الفعليّين.

(٢) أي : إلّا أنّ الحكم الواقعيّ ثابت في مرتبة الحكم الظاهريّ ، لشموله حال الجهل ، فيجتمع الحكمان في مرتبة واحدة.

(٣) وهاهنا وجوه أخر أفادها الأعلام في الجمع بين الحكم الواقعيّ والحكم الظاهريّ ، تركناها خوفا من التطويل. وعلى المحقّق أن يرجع إلى نهاية الدراية ٢ : ١٥٢ ، ودرر الفوائد ٢ : ٢٥ ـ ٢٦ ، وفوائد الاصول ٣ : ١٠٠ ـ ١١٢ ، أنوار الهداية ١ : ١٩٩ ـ ٢٢١ ، مصباح الاصول ١ : ١٠٨ ، وغيرها من المطوّلات.

(٤) أي : بدليل خاصّ.

۴۱۹۱