ولذا ترى أنّ المشهور لا يزالون يتمسّكون بها مع عدم إحراز كون مطلقها بصدد البيان ، وبعد (١) كونه (٢) لأجل ذهابهم إلى أنّها موضوعة للشياع والسريان ، وإن كان ربما نسب ذلك إليهم (٣). ولعلّ وجه النسبة ملاحظة أنّه لا وجه للتمسّك بها بدون الإحراز ، والغفلة عن وجهه ، فتأمّل جيّدا.

[الانصراف وأنواعه]

ثمّ إنّه قد انقدح بما عرفت ـ من توقّف حمل المطلق على الإطلاق فيما لم يكن هناك قرينة حاليّة أو مقاليّة على قرينة الحكمة المتوقّفة على المقدّمات المذكورة ـ أنّه لا إطلاق له فيما كان له الانصراف إلى خصوص بعض الأفراد أو الأصناف ، لظهوره فيه ، أو كونه (٤) متيقّنا منه ولو لم يكن ظاهرا فيه بخصوصه حسب اختلاف مراتب الانصراف ؛ كما أنّه منها(٥) ما لا يوجب ذا ولا ذاك ، بل يكون بدويّا زائلا بالتأمّل ؛ كما أنّه منها ما يوجب الاشتراك ، أو النقل (٦).

__________________

(١) أي : ومع بعد ...

(٢) أي : كون تمسّكهم بها.

(٣) راجع القوانين ١ : ٣٢١.

(٤) أي : كون بعض الأفراد أو الأوصاف.

(٥) أي : من مراتب الانصراف.

(٦) حاصل ما أفاده : أنّ للانصراف مراتب متفاوتة ـ شدّة وضعفا ـ :

الأولى : ما يوجب ظهور اللفظ في المنصرف إليه ، كانصراف لفظ «ما لا يؤكل لحمه» إلى غير الإنسان ، بحيث يوجب صيرورة لفظ «ما لا يؤكل لحمه» ظاهرا في غير الإنسان.

الثانية : ما يوجب تيقّن المنصرف إليه مع عدم كونه ظاهرا فيه بخصوصه ، كانصراف لفظ «الماء» إلى غير ماء الذاج والنفط.

الثالثة : ما لا يوجب الظهور ولا التيقّن ، بل يكون انصرافا بدويّا زائلا بالتأمّل ، كانصراف لفظ «الماء» إلى ماء الفرات إذا استعمل في الموضع القريب منه.

الرابعة : ما يوجب اشتراك اللفظ بين المعنى الحقيقيّ الإطلاقيّ وبين المعنى المنصرف إليه. وهذا الانصراف ناشئ عن غلبة استعمال المطلق في المنصرف إليه.

الخامسة : ما يوجب نقل اللفظ المطلق إلى المنصرف إليه. وهذا ناشئ عن مهجوريّة المعنى المطلق وغلبة استعمال اللفظ المطلق في المنصرف إليه.

ظاهر كلام المصنّف رحمه‌الله أنّ الانصراف يمنع عن التمسّك بالإطلاق بجميع مراتبه إلّا المرتبة الثالثة.

۴۱۹۱