الأمر الثالث : [تداخل المسبّبات وعدمه]
إذا تعدّد الشرط واتّحد الجزاء فلا إشكال على الوجه الثالث (١). وأمّا على سائر الوجوه فهل اللازم لزوم الإتيان بالجزاء متعدّدا حسب تعدّد الشروط أو يتداخل ويكتفى بإتيانه دفعة واحدة؟ فيه أقوال.
والمشهور : عدم التداخل. وعن جماعة ـ منهم المحقّق الخوانساريّ ـ التداخل (٢). وعن الحلّي التفصيل بين اتّحاد جنس الشروط وتعدّده (٣).
والتحقيق : أنّه لمّا كان ظاهر الجملة الشرطيّة حدوث الجزاء عند حدوث الشرط بسببه أو بكشفه عن سببه (٤) ، وكانت قضيّته (٥) تعدّد الجزاء عند تعدّد
__________________
ـ ولا يخفى : أنّ رفع اليد عن إحداهما وحفظ الاخرى ترجيح بلا مرجّح.
الثاني : ما أفاده المحقّق النائينيّ من رفع اليد عن كلا الإطلاقين معا ، والرجوع إلى الأصل العمليّ. فوائد الاصول ٢ : ٤٨٨.
وهذا الوجه تعرّض له السيّد المحقّق الخوئيّ ثمّ ناقش فيه تفصيلا. فراجع محاضرات في اصول الفقه ٥ : ١٠٢ ـ ١٠٦.
(١) وهو تقييد الشرط في كلّ منهما بالآخر بحيث يكون الشرط مجموع الشرطين معا.
ومراد المصنّف رحمهالله أنّ البحث عن التداخل وعدمه إنّما يتصوّر فيما إذا أمكن فرض استقلال كلّ شرط في التأثير في الجزاء ، فيبحث حينئذ هل يكتفى بإتيان الجزاء دفعة واحدة أم لا بدّ من الإتيان به متعدّدا حسب تعدّد الشرط؟ فلا مجال للبحث عن تداخل الجزاء وعدمه على الوجه الثالث ، إذ يكون الشرط مجموع الشرطين ، وهو في الواقع شرط واحد يترتّب عليه جزاء واحد ، فليس في البين إلّا جزاء واحد ، وحينئذ لا موضوع لتداخل المسبّبات كي يبحث عن جوازه أو امتناعه.
(٢) قال في مشارق الشموس ١ : ٦١ : «وموجبات الوضوء يتداخل ... وهذا الحكم موضع وفاق».
(٣) فالقاعدة على الأوّل هي التداخل ، كالبول مرّتين أو مرّات ، وعلى الثاني عدم التداخل ، كالنوم والبول والريح من موجبات الوضوء. راجع السرائر ١ : ٢٥٨.
(٤) والفرق بين حدوث الشرط بسبب الشرط وحدوثه بكشف الشرط عن سببه أنّ الأوّل فيما إذا كان الشرط مؤثّرا حقيقيّا للجزاء ، كأن يقول : «إذا سافرت فقصّر». والثاني فيما إذا كان الشرط معرّفا إلى ما هو الشرط حقيقة ، كخفاء الأذان ، فإنّه أمارة على حدّ الترخّص الّذي هو الشرط في وجوب القصر حقيقة.
(٥) أي : قضيّة هذا الظهور.