الاصول والأمارات فعليّا (١) ، كي يشكل :

تارة ، بعدم لزوم الإتيان حينئذ بما قامت الأمارة على وجوبه ، ضرورة عدم لزوم امتثال الأحكام الإنشائيّة ما لم تصر فعليّة ولم تبلغ مرتبة البعث والزجر ، ولزوم الإتيان به (٢) ممّا لا يحتاج إلى مزيد بيان أو إقامة برهان.

لا يقال : لا مجال لهذا الإشكال لو قيل بأنّها (٣) كانت قبل أداء الأمارة إليها إنشائيّة ، لأنّها بذلك تصير فعليّة تبلغ تلك المرتبة (٤).

فإنّه يقال : لا يكاد يحرز بسبب قيام الأمارة المعتبرة على حكم إنشائيّ ـ لا حقيقة ولا تعبّدا ـ إلّا حكم إنشائيّ تعبّدا ، لا حكم إنشائيّ أدّت إليه الأمارة. أمّا حقيقة : فواضح. وأمّا تعبّدا : فلأنّ قصارى ما هو قضيّة حجيّة الأمارة كون مؤدّاها (٥) هو الواقع تعبّدا ، لا الواقع الّذي أدّت إليه الأمارة ، فافهم.

اللهمّ إلّا أن يقال : إنّ الدليل على تنزيل المؤدّى منزلة الواقع الّذي صار مؤدّى لها ، هو دليل الحجّيّة بدلالة الاقتضاء (٦). لكنّه لا يكاد يتمّ إلّا إذا لم يكن للأحكام

__________________

(١) إشارة إلى الوجه الرابع للجمع بين الحكم الظاهريّ والحكم الواقعيّ. وهو حمل الحكم الواقعيّ على الإنشائيّ والحكم الظاهريّ على الفعليّ ، ولا تضادّ بين الحكم الإنشائيّ والفعليّ.

وهذا الوجه يستلزم ورود إشكالين عليه. أشار المصنّف رحمه‌الله إلى أوّلهما بقوله : «تارة بعدم ...» ، وإلى ثانيهما بقوله : «وأخرى بأنّه ...».

(٢) أي : والحال أنّ لزوم الإتيان بما قامت الأمارة على وجوبه ...

(٣) أي : الأحكام الواقعيّة.

(٤) أي : لأنّ الأحكام الواقعيّة ـ الّتي كانت قبل أداء الأمارة إليها إنشائيّة ـ تصير بقيام الأمارة فعليّة وتبلغ مرتبة البعث والزجر ، فيلزم امتثالها ، لصيرورتها فعليّة بقيام الأمارة.

(٥) وفي بعض النسخ «مؤدّاه». والصحيح ما أثبتناه.

(٦) وهي دلالة مقصودة للمتكلّم ، يتوقّف صدق الكلام وصحّته عقلا أو شرعا على تلك الدلالة.

ومثّلوا للعقليّ بقوله تعالى : ﴿وَسْئَلِ الْقَرْيَةَ يوسف / ٨٢ ، فإنّ صحّته عقلا تتوقّف على تقدير لفظ «أهل» أو تقدير معناه.

ومثّلوا للشرعيّ بقول المتكلّم : «اعتق عبدك عنّي على ألف» ، فإنّ صحّته شرعا تتوقّف على طلب تمليكه أوّلا له بألف ، فيكون التقدير : «ملّكني العبد بألف ثمّ اعتقه عنّي».

۴۱۹۱