[الجواب عن الإشكال]
وأنت خبير بأنّه لا وقع لهذا الإشكال بعد وضوح كون حكم العقل بذلك معلّقا على عدم نصب الشارع طريقا وأصلا ، وعدم حكمه به فيما كان هناك منصوب ولو كان أصلا ، بداهة أنّ من مقدّمات حكمه عدم وجود علم ولا علميّ ، فلا موضوع لحكمه مع أحدهما ؛ والنهي عن ظنّ حاصل من سبب ، ليس إلّا كنصب شيء ، بل هو يستلزمه فيما كان في مورده أصل شرعيّ. فلا يكون نهيه عنه رفعا لحكمه عن موضوعه ، بل به يرتفع موضوعه ، وليس حال النهي عن سبب مفيد للظنّ إلّا كالأمر بما لا يفيده. وكما لا حكومة معه للعقل لا حكومة له معه ، وكما لا يصحّ بلحاظ حكمه الإشكال فيه لا يصحّ الإشكال فيه بلحاظه.
نعم ، لا بأس بالإشكال فيه في نفسه ، كما اشكل فيه برأسه بملاحظة توهّم استلزام النصب لمحاذير تقدّم الكلام في تقريرها وما هو التحقيق في جوابها في جعل الطرق (١). غاية الأمر تلك المحاذير ـ الّتي تكون فيما إذا أخطأ الطريق المنصوب ـ كانت في الطريق المنهيّ عنه في مورد الإصابة. ولكن من الواضح أنّه لا دخل لذلك في الإشكال على دليل الانسداد بخروج القياس ، ضرورة أنّه بعد الفراغ عن صحّة النهي عنه في الجملة ، قد اشكل في عموم النهي لحال الانسداد بملاحظة حكم العقل. وقد عرفت أنّه بمكان من الفساد.
واستلزام إمكان المنع عنه ـ لاحتمال المنع عن أمارة اخرى وقد اختفى علينا ـ وإن كان موجبا لعدم استقلال العقل ، إلّا أنّه إنّما يكون بالإضافة إلى تلك الأمارة لو كان غيرهما ممّا لا يحتمل فيه المنع بمقدار الكفاية ، وإلّا فلا مجال لاحتمال المنع فيها مع فرض استقلال العقل ، ضرورة عدم استقلاله بحكم مع احتمال وجود مانعة على ما يأتي تحقيقه في الظنّ المانع والممنوع (٢).
__________________
(١) راجع الصفحة : ٢٨٠ ـ ٢٨٧ من هذا الجزء.
(٢) سيأتي في الفصل الآتي.