[الدليل الثالث : آية الكتمان]

ومنها : آية الكتمان : ﴿إِنَّ الَّذِينَ يَكْتُمُونَ ما أَنْزَلْنا ... الآية (١).

وتقريب الاستدلال بها أنّ حرمة الكتمان تستلزم وجوب القبول عقلا (٢) ، للزوم لغويّته (٣) بدونه (٤).

ولا يخفى : أنّه لو سلّم هذه الملازمة لا مجال للإيراد على هذه الآية بما اورد على آية النفر من دعوى الإهمال أو استظهار الاختصاص بما إذا أفاد العلم ، فإنّها تنافيهما ، كما لا يخفى (٥). لكنّها ممنوعة ، فإنّ اللغويّة غير لازمة ، لعدم انحصار الفائدة

__________________

ـ وأمّا الثاني : فلأنّه يؤيّد بما في كتب اللغة. فقال الجوهريّ في الصحاح ٢ : ٨٢٥ : «الإنذار : الإبلاغ ، ولا يكون إلّا مع التخويف». وقال ابن الأثير في النهاية ٥ : ٣٩ : «فأنا منذر ونذير : أي معلم ومخوّف ومحذّر». وقال أبو الهلال العسكريّ في الفروق اللغويّة : ٧٨ : «الإنذار : الإعلام مع التخويف».

(١) وإليك تمام الآية الشريفة : ﴿إِنَّ الَّذِينَ يَكْتُمُونَ ما أَنْزَلْنا مِنَ الْبَيِّناتِ وَالْهُدى مِنْ بَعْدِ ما بَيَّنَّاهُ لِلنَّاسِ فِي الْكِتابِ أُولئِكَ يَلْعَنُهُمُ اللهُ وَيَلْعَنُهُمُ اللَّاعِنُونَ البقرة / ١٥٩.

(٢) وفي بعض النسخ : «تستلزم القبول عقلا». والصحيح ما أثبتناه.

(٣) والأولى أن يقول : «لغويّتها» ، فإنّ الضمير يرجع إلى الحرمة.

(٤) أي : بدون وجوب القبول.

(٥) تعريض بالشيخ الأعظم الأنصاريّ. وتوضيحه : أنّ الشيخ أورد على الاستدلال بها بالوجهين الأوّلين اللذين أوردهما على الاستدلال بآية النفر.

أوّلهما : دعوى إهمال الآية وسكوتها عن وجوب القبول مطلقا ولو لم يحصل العلم.

فيحتمل أن يكون مراده لزوم القبول عند حصول العلم.

وثانيهما : دعوى اختصاص وجوب القبول المستفاد منها بالأمر الّذي يجب إظهاره ويحرم كتمانه ، فإنّ ظاهر الأمر هاهنا كون المقصود فيه عمل الناس بالحقّ ، لا تأسيس حجّيّة قول المظهر تعبّدا. فإذا لم يحرز الواقع لا يحرز موضوع وجوب العمل ، فلا يثبت وجوب القبول. فرائد الاصول ١ : ٢٨٧.

وقد استشكل فيه المصنّف رحمه‌الله : بأنّ الملازمة ممنوعة ، لعدم انحصار الفائدة بالقبول تعبّدا. وأمّا لو سلّم هذه الملازمة فلا مجال للإيراد عليه بالإيرادين ، إذا الملازمة تنافي دعوى الإجمال أو الاختصاص.

۴۱۹۱