وأنت خبير بعدم الإخلال بالوجه بوجه في الإتيان مثلا بالصلاتين المشتملتين على الواجب لوجوبه (١) ، غاية الأمر أنّه لا تعيين له ولا تميّز (٢) ، فالإخلال إنّما يكون به ، واحتمال اعتباره أيضا في غاية الضعف ، لعدم عين منه ولا أثر في

__________________

ـ وذكر المحقّق النائينيّ وجها آخر. حاصله : أنّ العقل يحكم بأنّه يعتبر في تحقّق الطاعة أن يكون العبد منبعثا نحو العمل من بعث المولى ، لا عن احتمال بعثه. فالامتثال اليقينيّ مقدّم رتبة على الامتثال الاحتماليّ ، وإذا كان الامتثال التفصيليّ اليقينيّ ممكنا فلا مجال للامتثال الإجماليّ ، فلا يجرى الاحتياط مع التمكّن من العلم بالواقع تفصيلا. فوائد الاصول ٣ : ٧٢ ـ ٧٤.

وناقش فيه المحقّق الاصفهانيّ بوجوه :

الأوّل : أنّ العمل بداعي الموافقة الاحتماليّة انقياد ، وهو عنوان حسن منطبق على فعل كلّ واحد من المحتملين. ومن المعلوم أنّ ما كان حسنا بالذات يكون حسنا بالفعل إلّا إذا انطبق عليه عنوان قبيح. ومعلوم أيضا أنّ مجرّد التمكّن من الامتثال التفصيليّ لا يوجب تعنون الامتثال الإجماليّ بعنوان قبيح.

الثاني : أنّ الداعي الحقيقيّ الموجب لانقداح الإرادة هو صورة البعث الحاضرة في النفس ـ سواء كانت مقرونة بالتصديق العلميّ أو الظنّيّ أو الاحتماليّ ـ ، فإن كان ما في الخارج مطابقا للصورة كان الانبعاث عن شخص الأمر وإطاعة حقيقة ، وإلّا كان انقيادا محضا. وعلى كلا التقديرين يكون الإتيان بالمحتملين متضمّن للانبعاث عن البعث قطعا.

الثالث : أنّ الانبعاث التفصيليّ إمّا أن يحتمل دخله في الغرض أم لا. فعلى الأوّل يكون حاله حال قصد القربة ، فيكون مرفوعا عند الجهل. وعلى الثاني نقطع بسقوط الغرض بمجرّد الموافقة الإجماليّة ، فنقطع بسقوط الأمر. نهاية الدراية ٢ : ١١٣ ـ ١١٤.

(١) أي : لوجوب الواجب. والحاصل : أنّه لا يلزم من التكرار إخلال بقصد الوجه ، لأنّ المكلّف يأتي بكلّ واحد من الأطراف بداعي الأمر المتعلّق بالواجب ، فيكون قاصدا للواجب حين الإتيان بكلّ واحد من الأطراف. غاية الأمر لا يتميّز المأمور به عن غيره ، وهو غير معتبر كما يأتي. هذا كلّه فيما إذا قلنا باعتبار قصد الوجه في حصول الغرض.

وأمّا لو قلنا بعدم اعتباره ـ كما هو الحقّ ، لعدم دليل خاصّ على اعتباره. واحتمال اعتباره يدفع بعدم التنبيه عليه ، لأنّه ممّا يغفل عنه غالبا ، وفي مثله لا بدّ من التنبيه على اعتباره ـ : فيكفي في الجواب عنه أنّ قصد الوجه ممّا لا دليل على اعتباره ، كما أشار إليه المصنّف رحمه‌الله بقوله : «مع أنّه ممّا يغفل عنه ...».

(٢) هكذا في جميع النسخ. والصحيح أن يقول : «لا تعيّن له ولا تميّز» أو يقول : «لا تعيين ولا تمييز».

۴۱۹۱