[٢١٧] مسألة ٣ : لا يعتبر في البيِّنة حصول الظن بصدقها (١) نعم يعتبر عدم معارضتها بمثلها (٢).


كان مشهوراً عند المتأخِّرين عن شيخنا الأنصاري قدس‌سره بل لم نجد قائلاً بخلافه ، إلاّ أنه كما ذكرناه في الأُصول (١) مما لا أساس له ، فانّ الخروج عن محل الابتلاء وعدمه سيان في تنجيز العلم الإجمالي ، إلاّ أن يكون خروجه عنه من جهة عدم قدرة المكلف عليه عقلاً ، كما إذا علم إجمالاً بوقوع قطرة دم على يده أو على جناح طائر قد طار ، فان الاجتناب عن الطرف الآخر غير لازم حينئذ ، والوجه فيما ذكرناه من عدم التفرقة بين خروج بعض الأطراف عن محل الابتلاء وعدمه ، هو أنّ العلم الإجمالي ليس بنفسه علة في تنجيز متعلقه وإنما تنجيزه مستند إلى تساقط الأُصول في أطرافه بالمعارضة ، فان فرضنا أن بعضها مما لا يتمكن منه المكلف عقلاً فلا يبقى مانع عن جريان الأُصول في بعض أطرافه الأُخر لعدم معارضتها بشي‌ء ، لأن الأصل لا يجري في الطرف الخارج عن القدرة والاختيار. وأما إذا كانت الأطراف مقدورة له عقلاً ولو بواسطة أو وسائط فمجرد خروج بعضها عن محل الابتلاء بالفعل مع التمكن منه عقلاً غير مستلزم لانحلال العلم الإجمالي بوجه ، لأنّ جريان الأُصول في كلا الطرفين مستلزم للترخيص في المخالفة القطعية ، وجريانها في أحدهما دون الآخر من غير مرجح وهو معنى التساقط بالمعارضة ، وبهذا يكون العلم الإجمالي منجزاً حيث لا بد من الاحتياط في كل واحد من الأطراف دفعاً لاحتمال العقاب.

(١) لعدم ابتناء اعتبارها على إفادتها الظن بمضمونها ، ولا على عدم قيام الظن بخلافها ، فانّ مقتضى دليل الاعتبار حجية البينة على وجه الإطلاق ، أفادت الظن أم لم تفد ظن بخلافها أم لم يظن.

(٢) لأنّ دليل اعتبار البيِّنة لا يمكن أن يشمل كلا المتعارضين لاستحالة التعبّد بالضدّين أو النقيضين ولا أحدهما المعين لأنه بلا مرجح ، ولا لأحدهما لا بعينه لأنه ليس فرداً آخر غيرهما فلا بد من التساقط والرجوع إلى أمر آخر.

__________________

(١) مصباح الأُصول ٢ : ٣٩٣.

۴۶۳