ومن ذلك يظهر أنّ الدوام والاستمرار إنّما يكون في النهي إذا كان متعلّقه طبيعة مطلقة غير مقيّدة بزمان أو حال ، فإنّه حينئذ لا يكاد يكون مثل هذه الطبيعة معدومة إلّا بعدم جميع أفرادها الدفعيّة والتدريجيّة (١).

وبالجملة : قضيّة النهي ليس إلّا ترك تلك الطبيعة الّتي تكون متعلّقة له ، كانت مقيّدة أو مطلقة ، وقضيّة تركها عقلا إنّما هو ترك جميع أفرادها (٢).

__________________

ـ وذهب المحقّق النائينيّ إلى أنّ المصلحة في باب الأوامر قائمة بصرف وجود الطبيعة على نحو الإيجاب الجزئيّ ، لا مطلق الوجود على نحو الإيجاب الكلّي ، ما لم تقم قرينة على الخلاف ؛ وصرف الوجود يتحقّق بأوّل وجود الطبيعة. وأمّا المفسدة في باب النواهي قائمة بمطلق وجود الطبيعة ، إلّا إذا قامت قرينة على أنّها قائمة بصرف وجودها ؛ فيكون النهي لأجل مبغوضيّة الطبيعة ، وهي تسري إلى جميع أفرادها ، فينحلّ النهي حسب تعدّد الأفراد ويكون المطلوب في النهي هو ترك كلّ فرد فرد على نحو العامّ الاستغراقيّ. فوائد الاصول ٢ : ٣٩٥.

وأمّا العلمان السيّدان الإمام الخمينيّ والسيّد الخوئيّ ـ بعد ما ناقشا في ما أفاد المصنّف رحمه‌الله والمحقّقان الأصفهانيّ والنائينيّ ـ : فذكر كلّ منهما وجها آخر لبيان الفرق بينهما.

أمّا السيّد الإمام الخمينيّ : فذهب إلى أنّ هذا الاختلاف يرجع إلى حكم العرف ، لأنّ الطبيعة لدى العرف توجد بوجود فرد ما وتنعدم بانعدام جميع الأفراد. مناهج الوصول ٢ : ١٠٤ ـ ١٠٨.

وأمّا السيّد المحقّق الخوئيّ : فذهب إلى أنّ نتيجة مقدّمات الحكمة في طرف الأمر هي الإطلاق البدليّ وصرف الوجود ، فيجوز الاكتفاء في مقام الامتثال بإيجاد فرد من أفراد الطبيعة ؛ وفي طرف النهي هي الإطلاق الشموليّ وحرمان المكلّف عن جميع أفرادها الدفعيّة والتدريجيّة. المحاضرات ٤ : ٨٩ ـ ١١٣.

ولا يخفى : أنّ ثمرة هذا الاختلاف تظهر فيما إذا تعارض دليل النهى مع دليل آخر يتكفّل بيان مفاده بمقتضى الوضع ـ كالعموم الوضعيّ ـ ، فإنّه بناء على أن يكون منشأ استفادة إطلاق الطبيعة في مورد النهي هو العقل تعارض الدليلان ، ولم يقدّم الدليل الآخر على دليل النهي ، لكون ظهور كلّ منهما تنجيزيّا. وأمّا بناء على أن يكون منشأ استفادة إطلاقها في مورد النهي من مقدّمات الحكمة فيكون الدليل الآخر مقدّما على دليل النهي ، لتقدّم الظهور الوضعيّ على الظهور الإطلاقيّ.

(١) المراد من الدفعيّة هو الأفراد العرضيّة ، والمراد من التدريجيّة هو الأفراد الطوليّة.

(٢) لا أنّ قضيّة النهي هي الدوام والتكرار.

۴۱۹۱