في المحذور الأشدّ ونقض الغرض الأهمّ ، حيث إنّه الآن كما كان عليه من الملاك والمحبوبيّة بلا حدوث قصور أو طروء فتور (١) فيه أصلا ، وإنّما كان سقوط الخطاب لأجل المانع ، وإلزام العقل به لذلك (٢) إرشادا كاف لا حاجة معه إلى بقاء الخطاب بالبعث إليه والإيجاب له فعلا ، فتدبّر جيّدا (٣).

__________________

(١) وفي النسخة المطبوعة المذيّلة بحواشي العلّامة المشكينيّ ١ : ٢٦٩ «طروّ فطور» ، ولكنّه غلط.

(٢) أي : إلزام العقل بإتيان ذي المقدّمة للخروج عن العهدة.

(٣) وحاصل الجواب الثاني : أنّه لو سلّمنا سقوط وجوب ذي المقدّمة لكونه منافيا لحرمة مقدّمته حتّى فيما إذا حكم العقل بلزومها ، فنقول : إنّما يسقط بالمنافاة فعليّة البعث والإيجاب بذي المقدّمة ، فحرمة المقدّمة تمنع عن فعليّة وجوب ذيها فقط. وأمّا ملاكه فهو باق على حاله بعد الاضطرار ، كما كان عليه قبله. ولذا يحكم العقل بلزوم الإتيان به خروجا عن عهدة ما تنجّز عليه قبل الاضطرار. ومع هذا الحكم العقليّ لا حاجة إلى الخطاب الفعليّ الشرعيّ. وحينئذ يحكم بوجوب إتيان ذي المقدّمة بعد إتيان مقدّمته بحكم العقل.

ولا يخفى : أنّ المحقّق النائينيّ ذهب إلى أنّ المورد إن كان من موارد قاعدة «الامتناع بالاختيار لا ينافي الاختيار» فالحقّ ما ذهب إليه المصنّف رحمه‌الله ، وإن لم يكن من مواردها فالحقّ ما اختاره الشيخ الأنصاريّ ، ولكن المورد ليس من موارد القاعدة المزبورة ، فالمختار هو رأي الشيخ الأنصاريّ.

ثمّ استدلّ على مدّعاه بوجوه :

الأوّل : أنّ هذه القاعدة إنّما تجري في مورد يكون خارجا عن قدرة المكلّف ، كالحجّ يوم عرفة لمن ترك مقدّمته باختياره. ومعلوم أنّ الخروج ليس كذلك ، بل يكون مقدورا.

الثاني : أنّ مجرى القاعدة ما إذا كان ملاك الوجوب ثابتا للعمل في ظرفه مطلقا ، من دون فرق بين أن تكون مقدّمته موجودة في الخارج أو غير موجودة ، كوجوب الحجّ. وما نحن فيه ليس كذلك ، لأنّ ملاك الوجوب ثابت للخروج بعد الدخول ، وبدونه لا يكون الخروج واجدا للملاك.

الثالث : أنّ مورد القاعدة ما إذا كان وجود المقدّمة موجبا للقدرة على المكلّف به ، ليكون الآتي به قابلا لتوجيه التكليف إليه فعلا. وما نحن فيه على العكس ، لأنّ وجود الدخول ـ وهو مقدّمة للخروج ـ يوجب الاضطرار إلى الخروج.

الرابع : أنّ الخروج في المقام واجب عقلا. وهذا يكشف عن كونه مقدورا وقابلا لتعلّق التكليف به. ومورد القاعدة ما إذا كان الفعل غير قابل لتعلّق التكليف به ، لامتناعه. فوائد الاصول ٢ : ٤٤٧ ـ ٤٥٠. ـ

۴۱۹۱