المعرفة لنفسها ، كمعرفة الواجب تعالى وصفاته ، أداء لشكر بعض نعمائه ، ومعرفة أنبيائه ، فإنّهم وسائط نعمه وآلائه ، بل وكذا معرفة الإمام على وجه صحيح (١) ؛ فالعقل يستقلّ بوجوب معرفة النبيّ ووصيّه ، لذلك ، ولاحتمال الضرر في تركه. ولا يجب عقلا معرفة غير ما ذكر إلّا ما وجب شرعا معرفته ، كمعرفة الإمام على وجه آخر غير صحيح ، أو أمر آخر ممّا دلّ الشرع على وجوب معرفته. وما لا دلالة على وجوب معرفته بالخصوص ـ لا من العقل ولا من النقل ـ كان أصالة البراءة من وجوب معرفته محكّمة.
ولا دلالة لمثل قوله تعالى : ﴿وَما خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ﴾ (٢) الآية ، ولا لقولهصلىاللهعليهوآله : «وما أعلم شيئا بعد المعرفة أفضل من هذه الصلوات الخمس» (٣) ، ولا لما دلّ على وجوب التفقّه وطلب العلم من الآيات (٤) والروايات (٥) على وجوب معرفته بالعموم. ضرورة أنّ المراد من ﴿لِيَعْبُدُونِ﴾ هو خصوص عبادة الله ومعرفته ؛ والنبويّ إنّما هو بصدد بيان فضيلة الصلوات ، لا بيان حكم المعرفة ، فلا إطلاق فيه أصلا ؛ ومثل آية النفر إنّما هو بصدد بيان الطريق المتوسّل به إلى التفقّه الواجب ، لا بيان ما يجب فقهه ومعرفته كما لا يخفى. وكذا ما دلّ على وجوب طلب العلم إنّما هو بصدد الحثّ على طلبه ، لا بصدد بيان ما يجب العلم به.
ثمّ إنّه لا يجوز الاكتفاء بالظنّ فيما يجب معرفته عقلا أو شرعا ، حيث إنّه ليس
__________________
(١) وهو كون الإمامة كالنبوّة منصبا إلهيّا يحتاج إلى تعيينه تعالى ونصبه ، لا أنّها من الفروع المتعلّقة بأفعال المكلّفين ، وهو الوجه الآخر. منه [أعلى الله مقامه].
(٢) الذاريات / ٥٦.
(٣) وإليك نصّ الرواية : عن معاوية بن وهب ، قال : سألت أبا عبد الله عليهالسلام عن أفضل ما يتقرّب به العباد إلى ربّهم وأحبّ ذلك إلى الله عزوجل ما هو؟ فقال عليهالسلام : «ما أعلم شيئا بعد المعرفة أفضل من هذه الصلاة». الكافي ٣ : ٢٦٤ ، باب فضل الصلاة ، الحديث ١.
(٤) التوبة / ١٢٢.
(٥) الكافي ١ : ٣٠ ، باب فرض العلم ووجوب طلبه ، وبحار الأنوار ١ : ١٨٠ و ٢١٣.